تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦٧٠
ينزه اللّه تعالى عن كل نقص وعيب، ويمجّده جميع المخلوقات في السماوات والأرض، لأنه المالك المطلق وحده، والمحمود المشكور وحده، المستحق للحمد والشكر، من جميع مخلوقاته، على جميع ما يخلقه ويقدّره، وهو القادر على كل شي ء، أي موجود، وفيه عموم التنبيه، لا يعجزه شي ء في الأرض ولا في السماء.
ومن آثار قدرته : أنه تعالى هو الذي أوجدكم على هذه الصفة، وصار أمر كل واحد ما اختاره، فمنكم الكافر باختياره وكسبه على نقيض فطرته، ومنكم المؤمن باختياره على حسب فطرته السوية القائمة على التوحيد، واللّه العالم البصير قبل الخلق بما يؤول إليه أمر كل واحد منكم، الشهيد على أعمال عباده.
- ومن مظاهر قدرته : أنه أوجد السماوات والأرض بالعدل والحكمة البالغة المحققة لنفع العالم في الدين والدنيا، فلم يكن خلقها عبثا ولا لغير معنى. وأبدع خلقكم أو تصويركم، أي التشكيل والتخطيط في أحسن وجه وأجمل عضو، وإليه في الآخرة مرجعكم ومآلكم، فيجازي كل إنسان بما كسب.
- ومن آثار قدرته : أنه تعالى يعلم جميع ما في السماوات والأرض، فلا تخفى عليه خافية من ذلك، ويعلم ما تخفونه وما تظهرونه، واللّه محيط علمه بما يضمره كل إنسان في نفسه من الأسرار والعقائد. وقوله : وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ عطف خاص على عام، فإنه تعالى علم أعظم المخلوقات، ثم تدرج القول إلى أخفى من ذلك، وهو جميع ما يقوله الناس في السّرّ والعلن، ثم تدرج إلى شي ء خفي : وهو ما يهجس بالخواطر. وبِذاتِ الصُّدُورِ : ما فيه من خطرات واعتقادات، والصّدر هنا : هو القلب.
ألم يبلغكم معشر مشركي مكة خبر الكفار من الأمم الماضية، كقوم نوح وعاد وثمود، وما حلّ بهم من العذاب والنّكال، بسبب مخالفة الرّسل والتكذيب بالحق، فقد دعتهم الرّسل إلى توحيد اللّه وعبادته، وترك عبادة الأوثان، فعاندوا وأعرضوا،