تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦٧٦
الآية، أي إن سبب الآية أن قوما آمنوا بالله تعالى، وثبّطهم أزواجهم وأولادهم عن الهجرة، فلم يهاجروا إلا بعد مدة، فوجدوا غيرهم قد تفقّه في الدين، فندموا وأسفوا وهموا بمعاقبة أزواجهم وأولادهم يا أيها الذين صدقوا بالله ورسوله، إن بعض أزواجكم وأولادكم عدو لكم عداوة أخروية، في غير صالحكم، يشغلونكم عن الخير والعمل الصالح المفيد لكم في الآخرة، فاحذروا أن تؤثروا حبّهم وشفقتكم عليهم على طاعة اللّه تعالى. ثم رغّب اللّه تعالى بالعفو عنهم، فإن تعفوا عن ذنوب أزواجكم وأولادكم، وتصفحوا بترك اللوم عليها، وتستروا الأخطاء تمهيدا لمعذرتهم فيها، فالله واسع المغفرة لذنوب عباده، شامل الرحمة بهم، يعامل الناس بأحسن مما عملوا.
ثم أخبر اللّه تعالى أن الأموال والأولاد فتنة أي موضع اختبار ومحنة، تشغل المرء عن مراشده، وتحمله على إيثار الدنيا على الآخرة، والوقوع فيما لا يحمد عليه، ومنه
قوله صلّى اللّه عليه وسلّم- فيما أخرجه أبو يعلى في مسنده- :«الولد مبخلة مجبنة».
واللّه عنده الثواب الجليل لمن آثر طاعة اللّه تعالى، وترك التورّط في المعصية، بسبب محبة ولده وماله. وهذا تزهيد في الدنيا، وترغيب في الآخرة.
أخرج أحمد والترمذي والحاكم والطبراني عن كعب بن عياض قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«إن لكل أمّة فتنة، وإن فتنة أمّتي المال».
والتخلّص من الفتنة : بالتقوى والطاعة، فأمر اللّه بالتقوى : وهي التزام الأوامر واجتناب النواهي، بقدر الطاقة والجهد، وأمر بالاستماع للأوامر وإطاعتها، والإنفاق من الأموال التي رزق اللّه بها العباد في وجوه الخير. وقوله : خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ منصوب بقوله : أَنْفِقُوا. والخير هنا : المال، أو نعت لمصدر محذوف تقديره : إنفاقا خيرا. ففي الإنفاق خير للأنفس في الدنيا والآخرة.