تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦٩٤
جعل اللّه مثلا لحال الكفار في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم، أنه لا يغني أحد عن أحد، فكل إنسان مسئول عن نفسه، ومجرد الخلطة أو النسب أو الزوجية لا فائدة فيها في مجال النجاة عند اللّه، ما دام الإنسان كافرا، أي مات على الكفر ولم يتب.
وهذا المثل : أن امرأة نوح وامرأة لوط عليهما السّلام، كانتا في عصمة نبيّين رسولين، وبينهما معاشرة واختلاط بسبب رابطة الزوجية، لكنهما خانتا الرسولين في الكفر وترك الإيمان برسالتهما، وعدم الإيمان بهما، فكانت امرأة نوح (واعلة) تقول عن زوجها لقومه : إنه مجنون، وكانت امرأة لوط (والهة) تدلّ قومه على أضيافه، بإيقاد النار ليلا، وبالتدخين نهارا، فلم ينفعهما الزواج شيئا من النفع عند اللّه : نوح ولوط بسبب كونهما زوجتين لهما، ولا تمكنا من دفع العذاب الإلهي عنهما، أو رفع محذور عنهما، مع علوّ مكانة زوجيهما عند اللّه.
وهذا تعريض بزوجي النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : حفصة وعائشة، لما فرط منهما، وتحذير لهما ولغيرهما بأنه لا يفيدهن شيئا زواجهن بالنّبي عليه الصّلاة والسّلام إن عصين اللّه تعالى.
ثم ضرب اللّه مثلا آخر للمؤمنين بامرأتين أخريين مؤمنتين، على ضدّ حال المرأتين الكافرتين في المثل السابق.
وهذا المثل الذي ضربه أو جعله اللّه للمؤمنين : هو حال امرأة فرعون آسية بنت مزاحم، وعمة موسى عليه السّلام، آمنت بموسى، حين سمعت قصة إلقائه عصاه، فعذّبها فرعون في الشمس بسبب إيمانها، وبعث إليها من يقتلها بالحجر الأعظم، فلم تتراجع عن إيمانها، ونجاها اللّه حين أحسّت الشرّ من محاولي قتلها، حين دعت بهذا الدعاء : رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ