تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧٠١
أي جعلها مذلولة سهلة، لينة، قابلة للاستقرار والحياة عليها، فسيروا في نواحيها وجوانبها، وكلوا مما رزقكم اللّه وخلقه لكم في الأرض، ومكّنكم من الانتفاع بها، وإليه النشور، أي البعث من قبوركم إلى اللّه، لا إلى غيره. والآية دليل على قدرة اللّه ومزيد إنعامه على خلقه، وعلى أن السّعي واتّخاذ الأسباب لا ينافي التوكّل على اللّه، وعلى أن الاتّجار والتّكسب مندوب إليه. أخرج الحكيم الترمذي عن معاوية بن قرّة قال : مرّ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه بقوم، فقال : من أنتم؟ فقالوا : المتوكّلون، قال : بل أنتم المتأكلون، إنما المتوكّل رجل ألقى حبّه في بطن الأرض، وتوكّل على اللّه عزّ وجلّ.
أ تأمنون أن يخسف، أي يغوّر ويقلع اللّه بكم الأرض؟ كما خسف بقارون، بعد ما جعلها لكم ذلولا تمشون أو تسعون في جوانبها وطرقها، فإذا هي تضطرب وتتحرك بشدة. والمراد بهذا الاستفهام الوعيد والإخبار بقدرة اللّه على تعذيب من كفر بالله أو أشرك مع اللّه إلها آخر.
بل هل أمنتم ربّكم اللّه الذي هو في السماء كما تزعمون، وهل أمنتم قدرة اللّه على أن يرسل عليكم ريحا شديدة مصحوبة بالحصى أو الحجارة الصغيرة؟ وحينئذ إذا عاينتم العذاب تعلمون كيف كان إنذاري وعقابي لمن خالف وكذب به.
ولقد كذب الكفار الذين كانوا قبلهم، كذبوا الرّسل، فكيف كان إنكاري عليهم بما سلّطت عليهم من العذاب الشديد؟! أو لم ينظروا إلى الطير فوقهم في الأجواء العليا، وهنّ باسطات أجنحتها تارة، وقابضات لها تارة أخرى؟ ما يمسكهنّ في الهواء إلا اللّه الرّحمن القادر على كل شي ء، إنه تعالى عليم بصير بما يصلح كل شي ء من مخلوقاته، لا يخفى عليه شي ء من دقائق الأمور وعظائمها.