تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧٠٩
«١» «٢» [القلم : ٦٨/ ١- ١٦].
ن أو نون : حرف مقطّع في قول جمهور المفسّرين للتنبيه لخطورة وأهمية ما بعدها، وتنبيه المشركين وتحدّيهم بأن القرآن الذي أعجزكم مكوّن من حروف هجائية هي مادة تكوين لغتكم العربية، التي تنطقون بها، ثم مع هذا عجزتم عن الإتيان بمثله أو مثل سورة منه. ثم أقسم اللّه تعالى بالقلم وبما يكتب به، أي أقسم بالقلم أداة الكتابة وبالمكتوب به. لست يا محمد بسبب نعمة النّبوة بمجنون، كما يزعمون، وإنما أنت ذو مكانة عالية وعقل رشيد وفكر سديد.
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : كانوا يقولون للنّبي صلّى اللّه عليه وسلّم : إنه مجنون، ثم شيطان، فنزلت : ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢).
وهو جواب القسم، أي إنك بسبب نعمة ربّك- وهي جملة اعتراضية- لست مجنونا. والجنون : ستر العقل، بمعنى أن كلامه خطأ ككلام المجنون، فنفى اللّه تعالى ذلك عنه.
ومطلع السورة حيث أقسم بالقلم، وأثره : إشادة بالكتابة التي هي قوام العلوم والمعارف وأمور الدنيا والآخرة، فإن القلم أخو اللسان، وطريق الفطنة، ونعمة عامّة من اللّه تعالى.
- وإن لك أيها النّبي لثوابا عظيما على ما تحمّلت من مهامّ النّبوة، وذلك الثواب غير مقطوع، وإنما هو مستمر.
وإنك لصاحب الخلق العظيم الذي أمرك اللّه به في القرآن، لما تحملت من قومك، ما لم يتحمله أمثالك. وجمّاع هذا الخلق يتمثل في قوله اللّه تعالى : خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩) [الأعراف : ٧/ ١٩٩].

(١) خرافات القدماء.
(٢) سنجعل على أنفه سمة أو علامة يتميز بها.


الصفحة التالية
Icon