تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧١٠
ثم هدّد اللّه المشركين وتوعّدهم بقوله : فَسَتُبْصِرُ.. أي ستعلم أيها النّبي، وسيعلم يوم القيامة المشركون الذين كذّبوك في الدنيا، من المفتون المجنون الضّال، أي في أي فريق منّا أو منكم النوع المفتون؟ ثم أكّد اللّه تعالى وعيده ووعده بقوله : إِنَّ رَبَّكَ.. أي إن اللّه يعلم من هو في الحقيقة الضّال، أنت أم من اتّهمك بالضلال، ومن هو المهتدي من الفريقين، منكم ومنّا؟! والمعنى : بل هم الضّالون، لمعارضتهم ما فيه نفعهم العاجل والآجل.
ثم أوضح اللّه تعالى ما عليه الكفار من الأخلاق الذميمة، مما يقتضي التشدّد معهم، فداوم أيها النّبي على مخالفة الكفار المكذّبين لرسالتك، وتشدد في ذلك.
لقد تمنّوا لو تلين لهم، فيلينون لك، بأن تركن إلى آلهتهم، ولا تهاجمها، فيقرّون بعبادة إلهك. ثم خصص اللّه تعالى الوليد بن المغيرة أو غيره بالتحذير من طاعته، لاتّصافه بالصفات المذمومة، والمشهور أنه الوليد، وقيل : إنه الأخنس بن شريق أو أبو جهل أو الأسود بن عبد يغوث. وظاهر اللفظة : عموم من بهذه الصفة، والمخاطبة بهذا المعنى مستمرة باقي الزمان، لا سيما لولاة الأمور. وهذه الصفات :
- إياك أيها النبي إطاعة كل شخص كثير الحلف بالباطل، حقير الرأي والفكر.
وهو أيضا عيّاب طعّان، يذكر الناس بالشرّ في وجوههم، ويمشي بالنميمة والسّعاية بالفساد بين الناس. روى الجماعة إلا ابن ماجه عن حذيفة :«لا يدخل الجنّة قتّات» أي نمام.
- وهو منّاع للخير، أي بخيل، يمنع الخير عن الناس من الإيمان والعمل الصالح.
ظالم متجاوز الحق وحدود اللّه من أمر ونهي، كثير الآثام والذنوب. كان للوليد بن المغيرة عشرة بنين، وكان يقول لهم ولأمثالهم : لئن تبع دين محمد منكم أحد، لا أنفعه بشي ء أبدا، فمنعهم الإسلام وهو الخير الذي منعهم إياه.