تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧١٦
- بل ألكم من اللّه عهد موثق، وأيمان مغلظة مؤكدة، قائمة إلى يوم القيامة، في أن اللّه تعالى يدخلكم الجنة، ويحقّق لكم رغائبكم كما تريدون وتشتهون؟ وأن لكم إنفاذ الحكم الذي تصدرونه؟ كأنه تعالى يقول : هل أقسمنا لكم قسما فهو عهد لكم بأن ننعّمكم يوم القيامة وما بعده؟
اطلب منهم يا محمد موبّخا ومقرّعا وقل لهم : من المتضمن المتكفل بهذا، أو أيهم كفيل لهم بذلك، بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين فيها؟!- بل ألهم شركاء لله بزعمهم كالأصنام والأنداد قادرون على أن يجعلوهم مثل المسلمين في الآخرة؟ فإن كان لهم شركاء، فليأتوا بهم لمناصرتهم، إن كانوا صادقين في دعواهم. وهذا نفي التقليد وإبطال اعتقاد المشركين.
ثم تحدّاهم اللّه بالإتيان بالشركاء يوم القيامة حيث يشتدّ الأمر، وذلك وقت أن يكشف عن الساق، أي يوم اشتداد الأمر، وعظم الخطب في القيامة، وحين يدعى هؤلاء المشركون وأنصارهم من الكفار والمنافقين، إلى السجود، توبيخا لهم على تركه في الدنيا، فلا يتمكنون من السجود، لأن ظهورهم تيبس، وتصبح شيئا واحدا، فلا تلين للسجود. قال مجاهد في قوله : يَوْمَ يُكْشَفُ هي أول ساعة من القيامة، وهي أفظعها.
وتكون أبصارهم خاشعة ذليلة منكسرة، تعمّهم الذّلة الشديدة، والحسرة والندامة، وقد كانوا في الدنيا مدعوين إلى الصلاة والسجود لله تعالى، فامتنعوا وتمرّدوا، وكانوا سالمين أصحاء، متمكنين من الفعل، ولا يوجد مانع يمنعهم من السجود. قال النخعي والشعبي : المراد بالسجود : الصلوات المفروضة. والواقع أنهم لا يدعون إلى السجود تعبّدا، وإنما توبيخا وتعنيفا على تركهم السجود في الدنيا. وبما أنهم تكبروا عن السجود في الدنيا، مع صحتهم وسلامتهم، عوقبوا بنقيض ما كانوا