تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧٣٠
فلا أقسم : لا إما زائدة أي فأقسم، أو ردّ لما تقدم من أقوال الكفار. والمعنى :
أقسم أي أقسم لخلقي بما تشاهدون من المخلوقات الدالة على كمالي في أسمائي وصفاتي، وما لا تشاهدون مما غاب عنكم من المغيبات، إن هذا القرآن هو كلام اللّه ووحيه وتنزيله على عبده محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو تلاوة وتبليغ رسول كريم : هو جبريل عليه السّلام، أو محمد عليه الصّلاة والسّلام، وعليه الأكثرون، وأضيف القول إليه، لأنه هو الذي تلاه وبلّغه.
وليس القرآن بقول شاعر كما تزعمون، لأن محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم ليس بشاعر، وليست آيات القرآن من أصناف الشعر، وأنتم تؤمنون أو تصدّقون تصديقا يسيرا، حين تقولون عن الخالق : إنه اللّه.
وليس هو بقول كاهن : وهو من يدّعي الغيب ومعرفة أسرار المستقبل، كما تزعمون، فإن القرآن سبّ الشياطين، فلا يعقل أن يكون بإلهامهم، ولكنكم تتذكرون تذكّروا قليلا، فيلتبس الأمر عليكم.
بل هو تنزيل من اللّه ربّ الإنس والجنّ، نزل به جبريل الرّوح الأمين على قلب الرسول محمد صلّى اللّه عليه وسلّم. ثم أكّد اللّه تعالى أن هذا النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم لا يستطيع أن يختلق القرآن، فإنه لو افترى القرآن، وجاء به من عند نفسه، ونسبه إلى اللّه تعالى، على سبيل الفرض، لأخذناه وأهلكناه بالقوة، ولنلنا عقابه بقوة منا، واليمين : القوة كما قال ابن عباس رضي اللّه عنهما. ثم لبترنا منه الوتين من قلبه، وهو العرق أو الوريد المتصل من القلب بالرأس، إذا قطع مات صاحبه. وهذا تصوير لإهلاكه بأشنع وأشد ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه.
فليس منكم أحد يحجزنا ويمنعنا منه، أو ينقذنا منه، فكيف يجرأ على تكلف الكذب على اللّه لأجلكم؟! وقوله : حاجِزِينَ جمع روعي فيه المعنى، لأن قوله :