تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧٥٦
كاد الجنّ يكونون عليه جماعات متراكمين عليه من الازدحام، لسماع القرآن منه، وتعجبا مما رأوا من عبادته، لأنهم رأوا ما لم يروا مثله.
قل أيها النّبي لمن تجمعوا حولك لإبطال دينك : إنما أدعو ربّي، وأعبده وحده لا شريك له، وأستجير به، وأتوكل عليه، ولا أشرك في العبادة معه أحدا.
وسبب نزول هذه الآية، كما ذكر الشوكاني- : أن كفار قريش، قالوا للنّبي صلّى اللّه عليه وسلّم : إنك جئت بأمر عظيم، وقد عاديت الناس كلهم، فارجع عن هذا، فنحن نجيرك.
قل أيها النبي أيضا لهؤلاء القوم : لا يدفع عني أحد من عذاب اللّه إن أنزله بي، ولا نصير ولا ملجأ لي من غير اللّه أحد، ولا يجيرني من اللّه ويخلصني إلا إبلاغي الرسالة التي أوجب أداءها علي، فأبلّغ عن اللّه، وأعمل برسالاته، أمرا ونهيا، فإن فعلت ذلك نجوت، وإلا هلكت.
أخرج ابن جرير عن حضرمي أنه ذكر أن جنيّا من الجنّ، من أشرافهم، ذا تبع قال : إنما يريد محمد أن يجيره اللّه، وأنا أجيره، فأنزل اللّه : قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ الآية.
وقوله تعالى : إِلَّا بَلاغاً قال الحسن البصري ما معناه : إنه استثناء منقطع، والمعنى : لن يجيرني من اللّه أحد إلا بلاغا، فإني إن بلّغت رحمني بذلك، والإجارة للبلاغ مستعارة إذ هو سبب إجارة اللّه تعالى ورحمته. وقال بعض النّحاة : على هذا المعنى هو استثناء متصل، والمعنى : لن أجد ملتحدا إلا بلاغا، أي شيئا أميل إليه وأعتصم به، إلا أن أبلّغ وأطيع فيجيرني اللّه. والتقدير كما قال قتادة : لا أملك إلا بلاغا، فأما الإيمان والكفر فلا أملكه.
وجزاء العصاة الذين لا يمتثلون موجب التبليغ عن اللّه تعالى : هو أنني أبلغكم