تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧٦٣
و أنواع عذابهم أربعة : هي أن عندنا القيود والأغلال لهؤلاء المكذبين بآياتنا وبرسولنا، ونارا مؤججة مضطرمة، وطعاما لا يستساغ، ويصعب بلعه، ينشب في الحلق، فلا يخرج ولا يدخل كالزّقوم والضّريع، ونوعا آخر من العذاب المؤلم الشديد، لا يعلم به غير اللّه تعالى.
والأنكال : جمع نكل : وهو القيد من الحديد، ويروى أنها قيود سود من نار.
روي أن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ هذه الآية فصعق.
وزمان ذلك العذاب الذي يعذب به الكافرون : هو في يوم تضطرب فيه الأرض والجبال، وتتزلزل بمن عليها. والرجفة : الزلزلة الشديدة. وتصير الجبال كالكثيب المهيل، أي الرمل المتجمع السائل، الذي يسيح فيه الإنسان والحيوان، بعد ما كانت حجارة صماء، وصخورا صلبة، ثم تنسف نسفا، فلا يبقى منها شي ء إلا ذهب.
والمهيل : هو الذي إذا وطئته القدم زلّ ما تحتها.
ثم هدّد اللّه تعالى مشركي مكة بأهوال الدنيا التي تعرضت لها الأمم المكذبة المتقدمة، وهو : إننا أرسلنا إليكم أيها المشركون في مكة وغيرها، رسولا هو محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يشهد عليكم يوم القيامة بأعمالكم، وبما يصدر عنكم من إجابة وامتناع، وطاعة وعصيان، كما أرسلنا موسى عليه السّلام إلى الطاغية فرعون، يدعوه إلى دين الحق والإيمان بالله تعالى إلها واحدا لا شريك له، فعصى فرعون الرسول المرسل إليه، وكذّبه ولم يؤمن برسالته، فأخذناه أخذا شديدا ثقيلا غليظا، وعاقبناه عقابا مؤلما، وأهلكناه ومن معه بالغرق في البحر، فاحذروا أنتم أن تكذبوا هذا الرسول، فيصيبكم ما أصاب فرعون، حيث أخذه اللّه أخذ عزيز مقتدر، وأنتم أولى بالهلاك والدمار، إن كذبتم رسولكم الذي هو أشرف وأعظم من موسى بن عمران عليه السّلام. وإنما عرّف كلمة (الرسول) في المرة الثانية، لأنه ينصرف إلى المعهود السابق في الذكر.