تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧٦٤
ثم أكّد اللّه تعالى تخويف المشركين بعذاب الآخرة من وجهين :
كيف تقون أنفسكم، وتنعمون بالأمان والاستقرار إن بقيتم على الكفر، من عذاب يوم يجعل الأطفال شيبا بيض الشعور، لشدة هوله، وهذا كناية عن شدة الخوف وتصير السماء متشققة به متصدعة، لشدته وعظيم هوله، وكان وعد اللّه بمجي ء ذلك اليوم كائنا واقعا، لا محالة، ولا محيد عنه. وقوله تعالى : فَكَيْفَ تَتَّقُونَ معناه : كيف تجعلون واقيا لأنفسكم، وكلمة (يوما) مفعول به لكلمة (تتقون) ويجوز أن يكون ظرفا، والمعنى : تتقون عقاب اللّه يوما. ويَجْعَلُ الْوِلْدانَ إما مسند إلى اسم اللّه تعالى، أو مسند إلى اليوم. و(الولدان) صغار الأطفال. والسَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ أي ذات انفطار وتشقق، كامرأة حائض وطالق. والانفطار : التصدع والانشقاق، على غير نظام يقصد. وضمير (به) إما عائد على اليوم، وإما عائد على اللّه تعالى.
وهذه الآية لها نظائر، منها : وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ [الفرقان : ٢٥/ ٢٥]. أي بالغمام الذي هو ظلل، يأتي اللّه تعالى فيها، والمعنى : يأتي أمره وقدرته. وكذلك مُنْفَطِرٌ بِهِ أي بأمره وسلطانه. وضمير كانَ وَعْدُهُ ظاهر أنه لله تعالى. ويحتمل أن يكون لليوم، لأنه يضاف إليه من حيث هو فيه.
إن توالي التهديدات لمشركي قريش، مع وصف ألوان العذاب، يدلّ على شدة غضب اللّه تعالى وسخطه على كل من كفر بالله وأشرك، وأن كل أعمال المشركين مرصودة مدونة عليهم مشهود بها من رسولهم عليها، حتى لا تكون مجالا للإنكار والجحود. وما تقدم في سورة المزمل من الآيات المخوفة موعظة بليغة، فمن أراد اتّعظ بها واتّخذ الطاعة طريقا توصله إلى رضوان اللّه في الجنة.