تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧٨٦
الفرائض، وبين سوء الخلق بالتكبّر والتجبّر والتطاول. وهذا دليل واضح على أن الكافر يستحقّ العقاب بترك الصلاة والزكاة، كما يستحقه بترك الإيمان الذي هو أساس صحة الصلاة.
وهذا العقاب جدير به هذا الجاحد، كما قال تعالى : أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) أي ويل لك ثم ويل، أولى لك الهلاك، وهو وعيد ثان، ثم كرر ذلك تأكيدا، والمراد :
أولى لك الازدجار والانتهاء، والعرب تستعمل هذه الكلمة زجرا. ومنه قوله تعالى :
فَأَوْلى لَهُمْ، طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ [محمد : ٤٧/ ٢٠- ٢١].
أخرج ابن جرير الطبري عن قتادة : أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) وعيد على وعيد، زعم أن هذا أنزل في عدو اللّه أبي جهل، ذكر لنا
أن نبي اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخذ بمجامع ثيابه، فقال : أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) فقال عدو اللّه أبو جهل : أيوعدني محمد؟ واللّه ما تستطيع لي أنت ولا ربّك شيئا، واللّه لأنا أعزّ من مشى بين جبليها.
أخرجه النّسائي عن ابن عباس عن قوله : أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) أشي ء قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من قبل نفسه أم أمره اللّه به؟ قال : بل قاله من قبل نفسه، ثم أنزله اللّه.
ثم استدلّ اللّه تعالى على البعث بدليلين :
الأول- أيظنّ الإنسان أن يترك في الدنيا مهملا، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يكلف، ولا يحاسب ولا يعاقب بعمله في الآخرة؟ وهذا خلاف مقتضى العدل والحكمة.
الثاني- أما كان الإنسان نطفة ضعيفة من مني يراق في الرّحم، ثم صار بعد ذلك علقة، أي قطعة دم عالقة، ثم مضغة، أي قطعة لحم، ثم شكّل ونفخ فيه الروح، فصار خلقا سويّا سليم الأعضاء، ذكرا أو أنثى بإذن اللّه وتقديره؟ أليس الذي أنشأ هذا الخلق البديع وقدر عليه بقادر على أن يعيد خلق الأجسام من جديد بالبعث،