تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٨٠٠
ليوم الفصل بين الخلائق، يفصل فيه بين الناس بأعمالهم، ويوزّعون إما إلى الجنة وإما إلى النار. ثم أعظم اللّه تعالى شأن ذلك اليوم مرة ثانية، بقوله : وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) أي وما أعلمك بيوم الفصل، وأي شي ء شدته ومهابته!! وتهويل ثالث : ويل لهم من عذاب اللّه غدا، أولئك الذين كذبوا بالله ورسله وكتبه، والويل تهديد بالهلاك، وقد ذكر هذا التهويل في سورة المرسلات تسع مرات، لمزيد التأكيد والتقرير.
وتهديد آخر من سيرة الماضين : ألم نهلك الكفار المكذّبين للرّسل المخالفين لما جاؤوا به من الأمم الماضية، من لدن آدم عليه السّلام، كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، إلى زمن محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، بتعذيبهم في الدنيا، ثم نتبعهم بأمثالهم ونظرائهم، وهم كفار مكة حين كذبوا محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم، أهلكهم اللّه يوم بدر وغيره من المعارك. وهذا وعيد شديد لكل من كفر بالله تعالى.
وتلك سنّة اللّه لا تبديل لها، فإن سنّتنا في جميع الكفار واحدة، فمثل ذلك الإهلاك للمكذّبين بكتب اللّه ورسله، الذين أجرموا في حقّ أنفسهم، نفعل بكل من أجرم وأشرك مع اللّه إلها آخر. والهلاك الشديد يومئذ للمكذّبين بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر. وقوله : كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) أي في المستقبل، قريش وسائر الكفار.
ثم ذكر اللّه تعالى بعض مظاهر القدرة الإلهية على الناس، ومنها : ألا ترون وتدركون أننا نحن خلقناكم من ماء ضعيف حقير، وهو المني، وجعلناه مجموعا في مستقر مكين، أي حرز حصين، وهو الرّحم، ثم أبقيناه في الرّحم مدة معينة هي مدة الحمل من ستة إلى تسعة أشهر.
نحن الذين مارسنا قدرتنا على الخلق وتقديرنا في تكوين الأعضاء والصفات،


الصفحة التالية
Icon