تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٨٢٣
العمل بموجبها. وهذا يدل على تعظيم شأن القرآن، سواء قبله الكفار أم لا. قال سفيان الثوري :
فكان أي النبي بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم قال : مرحبا بما عاتبني فيه ربي عز وجل، وبسط له رداءه، واستخلفه النبي على المدينة مرتين.
وتلك التذكرة ذات صفتين : إنها تذكرة بينة ظاهرة، مقدور على فهمها، فمن رغب فيها اتعظ بها، وحفظها، وعمل بمقتضاها.
وهي تذكرة مثبتة كائنة في صحف مشرفة عند اللّه تعالى، لما فيها من العلم والحكمة، وإثباتها في اللوح المحفوظ، وكونها رفيعة القدر عند اللّه، منزهة، لا يمسها إلا المطهرون، محمولة بأيدي ملائكة وسائط ينقلون الوحي للرسل، لتبليغها للناس، وهم كرام على ربهم، ومترفعون عن المعاصي، أتقياء مطيعون لله عز وجل، صادقون في إيمانهم.
ثم ذم اللّه تعالى منكر البعث بقوله : قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧) أي حقّ قتل الإنسان الكافر، أي هو أهل أن يدعى عليه بهذا، أيّ شي ء أكفره؟ أي جعله كافرا.
والمراد : إرادة إيصال العقاب الشديد للكافر.
قيل : إن هذه الآية نزلت في عتبة بن أبي لهب، وذلك أنه غاضب أباه، فأتى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، ثم إن أباه استصلحه وأعطاه مالا، وجهّزه إلى الشام، فبعث عتبة إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وقال : إني كافر برب النجم إذا هوى. فدعا عليه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخذه الأسد وأكله بطريق الشام، أخرجه ابن المنذر عن عكرمة.
من أي شي ء مهين خلق اللّه هذا الكافر بربه؟! فلا ينبغي له التكبر عن الطاعة.
وهو استفهام على معنى التقرير على تفاهة الشي ء الذي خلق اللّه الإنسان منه. خلق اللّه هذا الكافر بربّه، وقدره أطوارا وأحوالا، وسواه وهيأه لمصالح نفسه. وأتم خلقه وأكمله بأعضائه الملائمة لحاجاته مدة حياته، وزوده بطاقات العقل والفهم وبالحواس المدركة، للاستفادة من نعم اللّه تعالى، فلا يستعملها في إغضابه.


الصفحة التالية
Icon