تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٨٢٤
ثم يسر اللّه تعالى خروج هذا الإنسان من بطن أمه ورحمها، ومكنّه من تحصيل الخير أو الشر، قال مجاهد : أراد السبيل عامة، اسم الجنس في (هدى وضلال) أي يسر قوما لهذا، وقوما لهذا. وقال الحسن البصري ما معناه : إن السبيل هي سبيل النظر القويم المؤدي إلى الإيمان، وتيسيره له : هو هبة العقل.
ثم بعد خلقه له، قبض روحه، وأمر بمواراته في قبر، أي أن يجعل له قبر. وفي ذلك تكريم، لئلا يطرح كسائر الحيوان، ثم إذا شاء اللّه أنشره، أي أحياه بعد موته، أو بعثه بعد موته. وقوله : ثُمَّ إِذا شاءَ يريد : إذا بلغ الوقت الذي قد شاءه، وهو يوم القيامة.
كلا، أي هذا ردع وزجر للإنسان عما هو عليه، فلم يخل إنسان من تقصير قط، إما بالكفر، وإما بالعصيان، وإما بارتكاب خلاف الأولى والأفضل لما يليق بمنزلته، ولم يفعل بما أمره اللّه إلا القليل، وهذا تعجيب من حال الإنسان.
نعم الإله على الإنسان وأهوال القيامة
ذكر اللّه تعالى من أجل بيان قدرته نعمه في الأنفس البشرية، ثم ذكر دلائل الآفاق، وعدّد النعم التي يحتاج إليها الإنسان، لقوام حياته، لعله يقابل النعمة بالوفاء والشكر والإيمان، ثم حذره مما يلقاه في الآخرة من أهوال القيامة، التي تملأ النفس خوفا ورهبة، ليكون ذلك مدعاة إلى التأمل في الدلائل، وفي المبادرة إلى الإيمان بالموجد الخالق، والإعراض عن الكفر، والتواضع لكل أحد، كما يبدو في هذه الآيات :
[سورة عبس (٨٠) : الآيات ٢٤ الى ٤٢]
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨)
وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٢) فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣)
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨)
ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢)


الصفحة التالية
Icon