تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٨٣٢
واضح قالوا : لا أقسم، أي لا يحتاج إلى قسم، وقيل : إن الإتيان ب (لا) في القسم لتعظيم المقسم به.
والمعنى هنا أقسم بالكواكب جميعها التي تخنس، أي تختفي بالنهار تحت ضوء الشمس، وتكنس بالليل، أي تظهر بالليل في أماكنها، كما تظهر الظباء من كنسها، أي بيوتها، والمراد بها : الكواكب السيّارة السبعة : وهي الشمس، والقمر، وزحل وعطارد، والمرّيخ، والزّهرة، والمشتري. وهو رأي الجمهور.
وأقسم بالليل إذا أقبل بظلامه، لما فيه من الرهبة، والصبح إذا أقبل وامتد وظهر وأضاء بنوره الأفق. وجواب القسم هو :
إن هذا القرآن هو تبليغ ونقل رسول كريم عند اللّه، وهو جبريل عليه السّلام، في قول جمهور الناس، ولجبريل صفات أربع : أنه شديد القوى في الحفظ التام والتبليغ الكامل، وذو رفعة عالية، ومكانة سامية عند اللّه سبحانه، ومطاع بين الملائكة، يرجعون إليه ويطيعونه، مؤتمن على الوحي والرسالة من ربه، وعلى غير ذلك.
وقوله : ثَمَّ أي عند اللّه تعالى. وقوله : عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ متعلق بقوله : ذِي قُوَّةٍ أو متعلق بقوله مَكِينٍ ومعناه : له مكانة ورفعة. ومُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) معناه :
مقبول القول، مصدّق فيما يقوله، مؤتمن على ما يرسل به ويؤديه من وحي وامتثال أمر.
وليس محمد صلّى اللّه عليه وسلّم صاحبكم يا أهل مكة بمجنون، كما تزعمون. وقوله تعالى : وَما صاحِبُكُمْ وصف بالصحبة للإشعار بأنهم عالمون بأمره، وبأنه أعقل الناس وأكملهم.
وتالله، لقد رأى محمد صلّى اللّه عليه وسلّم جبريل عليه السّلام على صورته الأصلية، له ست مائة جناح، في مطلع أو أفق الشمس الأعلى من قبل المشرق، بحيث حصل له علم بدهي بأنه ملك مقرّب، يطمأن لنزوله بالوحي عليه، لا شيطان رجيم.
وليس محمد صلّى اللّه عليه وسلّم على ما أنزله اللّه عليه، من الوحي وخبر السماء، ببخيل مقصر