تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٨٥٢
يقول اللّه تعالى : أقسم بالسماء وبروجها : وهي منازل الكواكب أو نجومها العظام، وهي اثنا عشر برجا لاثني عشر كوكبا، وهي التي تقطعها الشمس في سنة، والقمر في ثمانية وعشرين يوما، وهذا القسم بها تنويه بها وتعظيم وتشريف لها.
وأقسم بيوم القيامة الموعود به، وبمن يشهد في ذلك اليوم، وبالمشهود به على المشهود عليه من الوقائع أو الجرائم التي فعلها، كالشهادة على أصحاب الأخدود.
والشاهد : الملائكة الحفظة وغيرهم، والمشهود عليهم : الناس، كما ذكر الترمذي.
لعن أصحاب الأخدود المشتمل على النار ذات الحطب الذي توقد به، وهم قوم من الكفار في نجران اليمن، طلبوا من المؤمنين بالله عز وجل أن يرجعوا عن دينهم وهو توحيد اللّه، فأبوا عليهم، فحفروا لهم في الأرض أخدودا (شقا مستطيلا) وأوقدوا فيه نارا، وأرادوهم أن يرجعوا عن دينهم، فلم يقبلوا منهم، فقذفوهم فيها، وقوله تعالى : قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤) هو جواب القسم، أي لعنوا وطردوا من رحمة اللّه. وقوله : النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) النار : بدل اشتمال، من كلمة (الأخدود).
كان من قصة هؤلاء : أن الكفار قعدوا على جانب الأخدود، وجمع المؤمنون، فعرض عليهم الدخول في الكفر، فمن أبى رمي في أخدود النار فاحترق، روي أنه احترق في النار عشرون ألفا.
لقد لعن هؤلاء الكفار الذين عذّبوا المؤمنين في النيران، حين أحرقوا بالنار، قاعدين على الكراسي عند الأخدود، وهم الملك وأصحابه، يشاهدون ما يفعل بالمؤمنين الذين هم قعود على النار، يحاولون إرجاعهم إلى دين الوثنية ويشهدون بما فعلوا يوم القيامة، حيث تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم.
وهذا يدل على أن قلوب الكفرة الذين أقدموا على إحراق أهل الإيمان قاسية، بل


الصفحة التالية
Icon