تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٨٥٦
خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائهم، والتي جندت جنودها لقتالهم؟ أو هل بلغك ما أحل اللّه بهم من البأس، لغلوهم في الكفر وتماديهم في الضلال؟ ومنهم : فرعون وجنوده، وقبيلة ثمود من العرب البائدة، قوم صالح عليه السّلام، والمراد بحديثهم :
ما وقع منهم من الكفر والعناد، وما حلّ بهم من العذاب.
ومعنى الآية : فاجعل هؤلاء الكفرة الذين يخالفونك وراء ظهرك ولا تهتم بهم، فقد انتقم اللّه تعالى من أولئك الأقوياء الأشداء، فكيف بهؤلاء؟! والجنود : الجموع المعدّة للقتال، والتوجه نحو غرض واحد. وذكر فرعون وحده هنا لأنه هو رأس قومه وآله.
ثم ترك القول بحال فرعون وثمود، وأضرب عنه إلى الإخبار بأن هؤلاء الكفار بمحمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لا حجة لهم عليه ولا برهان، بل هو تكذيب مجرد سببه الحسد، أي إن الواقع القائم أن هؤلاء المشركين العرب في تكذيب شديد لك أيها النبي، ولما جئت به، ولم يعتبروا بمن كان قبلهم من الكفار.
ثم توعدهم اللّه تعالى بقوله : وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) أي إن اللّه تعالى قادر على أن ينزل بهم ما أنزل بأولئك، قاهر الجبارين لا يفوتونه ولا يعجزونه، فهو مقتدر عليهم، وهم في قبضته لا يجدون عنها مهربا.
ثم رد اللّه تعالى على تكذيب قريش بالقرآن، فقال : بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) أي إن هذا القرآن الذي كذّبوا به شريف الرتبة في نظمه وأسلوبه، حتى بلغ حدّ الإعجاز، متناه في الشرف والكرم والبركة، وليس هو كما يزعمون بأنه شعر وكهانة وسحر، وإنما هو كلام اللّه تعالى المصون عن التغيير والتحريف، المكتوب في اللوح المحفوظ، وهو أم الكتاب.
إن هذا الكلام إضراب عن تكذيب القرشيين وإبطال له ورد عليه، بالإخبار بأن