تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٨٨٨
و أما من بخل بماله، ولم يبذل منه شيئا في سبيل اللّه وطريق الخير، واستغنى عن اللّه ورحمته بزعمه، واكتفى بشهوات الدنيا عن نعيم الآخرة، وزهد في الأجر والثواب وفضل اللّه، وكذّب بالجزاء الأخروي، فسنأخذ بيده ونسهله للحال الصعبة التي لا تنتج إلا شرا، حتى تتعسر عليه أسباب الخير والصلاح، ويضعف عن فعلها، حتى يصل إلى النار، ولا يفيده شيئا ماله الذي بخل به، إذا وقع في جهنم، وإذا جمع في الكلام بين الخير والشر، جاء التيسير فيهما معا. والإعطاء والبخل المذكوران : إنما هما في المال. وقوله : إِذا تَرَدَّى معناه سقط في جهنم، أي من حافاتها.
قال ابن عباس : آية وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) نزلت في أمية بن خلف.
ثم أخبر اللّه تعالى عما قام به من الهداية والبيان، فقال : إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٣) أي إن علينا أن نبين طريق الخير والشر، وسبيل الهداية والضلال، والحلال والحرام، بوساطة الأنبياء وإنزال الكتب المشتملة على تشريع الأحكام، وتبيان العقائد والعبادات، والأخلاق، وأنظمة العقود والمعاملات.
وإن لنا كل ما في الآخرة، وكل ما في الدنيا، نتصرف به كيف نشاء، فمن أراد شيئا من الدارين، فليطلبه منا، نهب ونعطي ما نشاء لمن نشاء، ولا يضرنا ترك الاهتداء بهدانا، ولا يزيد في ملكنا اهتداؤهم، بل نفع ذلك وضرره عائدان عليكم أيها الناس.
ثم حذر اللّه تعالى من سلوك طريق النار بقوله : فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) أي لقد خوّفتكم نارا عظيمة، تتوهج وتلتهب وتوقد، لا يحترق بنارها إلا الشقي الكافر الذي كذب بالحق الذي جاءت به الرسل، ومنهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الذي أنزل اللّه عليه الفرقان، والمراد بقوله : لا يَصْلاها.. أي لا يصلاها صلي خلود.


الصفحة التالية
Icon