تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٨٩٩
ينجون به من النار أسفل السافلين، وهو الجنة دار المتقين. وعلى التفسير الثاني وهو قول حسن كما قال ابن عطية : إن في جنس الإنسان من يعتريه الخرف والهرم، لكن المؤمنين المتقين، يكافئهم اللّه بثواب دائم غير منقطع، بسبب صبرهم على ما ابتلوا به من الشيخوخة والهرم، والمواظبة على الطاعات بقدر استطاعتهم، أي إنهم قد يردّون إلى أرذل العمر كغيرهم، لكن لهم أجر كبير دائم على أفعالهم، وإن انقطعوا عن العبادة بسبب الضعف والهرم.
ثم وبّخ اللّه تعالى الكافر على التكذيب بيوم الجزاء والحساب بعد البعث بقوله :
فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) قال جمهور من المتأولين : المخاطب الإنسان الكافر، أي ما الذي يجعلك كذابا بالدين، أي بالجزاء في عالم الآخرة، تجعل للّه تعالى أندادا، وتزعم ألا بعث بعد هذه الدلائل؟ لقد عرفت أن اللّه تعالى خلقك في أحسن تقويم، وأنه بسبب الكفر يردك إلى النار مع أسفل السافلين، فما يحملك على أن تكذب بالبعث والجزاء؟ لقد علمت البدأة، وعرفت أن من قدر على البدأة، فهو قادر على الرجعة بطريق أولى، فأي شي ء يحملك على التكذيب بالمعاد، وقد عرفت هذا؟
و قال قتادة، والفراء والأخفش : المخاطب في قوله تعالى : فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧)؟ هو محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، قال اللّه تعالى له : فما الذي يكذّبك فيما تخبر به من الجزاء والبعث، وهو الدّين، بعد هذه العبرة التي يوجب النظر فيها صحة ما قلت؟
أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : ثُمَّ رَدَدْناهُ.. قال : هم نفر، ردوا إلى أرذل العمر، على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسئل عنهم حتى سفهت عقولهم، فأنزل اللّه عذرهم، أن لهم أجرهم الذي عملوا، قبل أن تذهب عقولهم.
ثم أكد اللّه تعالى إيقاع الجزاء والبعث بقوله : أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (٨) أي أما هو أحكم الحاكمين قضاء وعدلا، الذي لا يجور ولا يظلم، ومن عدله أن يقيم


الصفحة التالية
Icon