تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٩١٥
- ومصدر التحديث : بأن ربك ألهمها، أي تحدّث أخبارها بوحي اللّه وإذنه لها، بأن تتحدث وتشهد.
- في هذا اليوم المضطرب والخراب المدمر، يصدر (يخرج) الناس من قبورهم إلى موقف الحساب، متفرقين، مختلفي الأحوال، فمنهم المؤمن الآمن، ومنهم الخائف، ومنهم كافرون، ومنهم عصاة، ومنهم فريق الجنة، ومنهم فريق النار، الكل سائر إلى العرض ليريهم اللّه أعمالهم معروضة عليهم.
ثم أخبر اللّه تعالى أنه من عمل عملا رآه، قليلا كان أو كثيرا، فمن يعمل في الدنيا وزن نملة صغيرة، أو هباء لا يرى إلا في ضوء الشمس، يجده يوم القيامة في كتابه، ويلقى جزاءه، فيفرح به، أو يراه بعينه معروضا عليه، وكذلك من يعمل في الدنيا أي شي ء من الشر، ولو كان حقيرا أو قليلا، يجد جزاءه يوم القيامة، فيسوؤه.
يرى الخير كله من كان مؤمنا، والكافر لا يرى في الآخرة خيرا، لأن خيره قد عجّل له في دنياه. وكذلك المؤمن أيضا له سيئاته الصغار في دنياه في المصائب والأمراض ونحوها. ويحصل من مجموع هذا : أن من عمل من المؤمنين مثقال ذرة من خير أو شر رآه، وألّا يرى الكافر خيرا في الآخرة. ويؤيد هذا حديث عائشة رضي اللّه عنها الذي
أخرجه الإمام أحمد ومسلم وغيرهما :«قالت : قلت : يا رسول اللّه، أرأيت ما كان يفعل عبد اللّه بن جدعان من البرّ، وصلة الرحم، وإطعام الطعام، أله في ذلك أجر؟ فقال : لا، إنه لم يقل قط : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين».
وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يسمي هذه الآية : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ.. الجامعة الفاذّة.
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت :(و يطعمون الطعام على حبّه) الآية، كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشي ء القليل، إذا أعطوه،