تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٩٢٩
صحبة- قال : كان الرجلان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه وآله وسلّم إذا التقيا، لم يتفرقا، حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة : والعصر ثم يسلّم أحدهما على الآخر.
وفيها إشارة إلى حال من لم يلهه التكاثر، ولذا وضعت بعد سورته.
ومعناها : أقسم بالعصر : وهو الدهر أو الزمان الذي يمر به الناس، لما فيه من العبر وتقلبات الليل والنهار، وتعاقب الظلام والضياء، وتبدل الأحداث والدول، والأحوال والمصالح، مما يدل على وجود الصانع عز وجل، وعلى توحيده وكمال ذاته وقدرته وصفاته. أقسم بذلك على أن الإنسان (أي اسم الجنس) لفي خسارة وهلاك وسوء حال، في المتاجر والأعمال، والمساعي والأفعال، إلا من استثناهم اللّه فيما يأتي.
وهذا القسم بالدهر دليل على شرفه وأهميته، لذا
قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم- فيما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه- :«لا تسبّوا الدهر، فإن اللّه هو الدهر» أي خالقه.
والآية، كما ذكر الرازي، كالتنبيه على أن الأصل في الإنسان أن يكون في الخسران والخيبة، وذلك بيّن غاية البيان في الكافر، إنه خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، وأما المؤمن- وإن خسر في دنياه أحيانا، كالتجارة، والهرم ومقاساة شقاء الدنيا- فذلك لا يعد شيئا في جانب فلاحه في الآخرة، وربحه الذي لا يفنى.
ثم استثنى اللّه تعالى من جنس الإنسان من اتصف بصفات أربع، حيث يجمع له الخير كله، وهذه الصفات :
- هي الإيمان الصحيح بالله عز وجل وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر، خيره وشره، حلوه ومره، والشر في المقضي بحسب تقدير الإنسان عاجلا، أما في المستقبل، أو في علم اللّه تعالى فلا شر في القدر.