ج ١، ص : ٤١
بيان ذلك أنه نبه أولا على أنه الكلام المتحدي به، ثم أشير إليه بأنه الكتاب المنعوت بغاية الكمال. فكان تقريرا لجهة التحدي، وشدّا من أعضائه. ثم نفى عنه أن يتشبث به طرف من الريب. ثم أخبر عنه بأنه هدى للمتقين، فقرر بذلك كونه يقينا لا يحوم الشك حوله، ثم لم تخل كل واحدة من الأربع من نكتة ذات جزالة. ففي الأولى الحذف والرمز إلى الغرض بألطف وجه وأرشقه، وفي الثانية ما في التعريف من الفخامة، وفي الثالثة ما في تقديم الريب على الظرف وفي الرابعة الحذف. ووضع المصدر الذي هو « هدى » موضع الوصف الذي هو « هاد » وإيراده منكرا. والإيجاز في ذكر المتقين.
زادنا اللّه اطلاعا على أسرار كلامه، وتبيينا لنكت تنزيله، وتوفيقا للعمل بما فيه.
الفوائد
١ - قوله تعالى : أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ.
في هذه الآية نقطة بلاغية كريمة فقد أشار سبحانه إلى تمكنهم من الهداية بأن جعلهم يعتلونها كما يعتلى الراكب المطية وهي استعارة تبعية لأنها جرت بالحرف بدلا من الاسم وبالجزء بدلا من الكل. وفي هذا التعبير سمة من سمات الاعجاز القرآني فبدلا من الوصف المباشر بأن يقول :« أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ » فقد أخبر بأنهم على هداية اشارة إلى قوة الاهتداء وتمكن المؤمن من الهداية.
٢ - لا بد من تقرير هذه القاعدة التي هي من البديهيات والتي يحسن بطالب المعرفة أيّا كانت درجته أن يضعها نصب عينيه وهي :« إنّ كل ضمير يتصل باسم فهو في محل جر بالاضافة » بخلاف الضمير المتصل بالفعل فقد يكون فاعلا مثل « يخادعون » فالواو فاعل وقد يكون مفعولا به كقوله تعالى :« فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً » فالضمير « هم » في محل نصب مفعول به.


الصفحة التالية
Icon