ج ١٨، ص : ٢٣٧
وبكيت يومي ذلك، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. ثم بكيت ليلتي المقبلة، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي. فبينما نحن على ذلك، دخل رسول اللّه، فسلم ثم جلس وتشهّد، ثم قال : أما بعد، يا عائشة، فإني قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك اللّه، وإن كنت ألمحت بذنب، فاستغفري اللّه وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب اللّه عليه. فلما قضى رسول اللّه مقالته قلص دمعي، حتى ما أحس من قطرة، فقلت لأبي : أجب عني رسول اللّه، فقال : واللّه ما أدري ماذا أقول لرسول اللّه، فقلت لأمي : أجيبي عني، فقالت :
كذلك واللّه ما أدري ماذا أقول لرسول اللّه. قلت - وأنا جارية حديثة السن، لا أقرأ كثيرا من القرآن - : إني واللّه، قد عرفت أنكم سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم، وصدقتم به، فإن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني، وإن اعترفت لكم بأمر، واللّه يعلم أني بريئة، لتصدقوني. وإني واللّه ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف، فصبر جميل واللّه المستعان على ما تصفون، ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، فو اللّه ما رام رسول اللّه مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتى أنزل اللّه عز وجل على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي، حتى أنه لينحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي. فلما سري عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، وهو يضحك، كان أول كلمة تكلم بها أن قال : أبشري يا عائشة، أما اللّه فقد برّأك. قالت لي أمي : قومي إليه. قلت واللّه لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا اللّه الذي أنزل براءتي.. وكان أبو بكر ينفق على مسطح، فمنع ذلك، فنزل القرآن يحض على الإنفاق، فعاد أبو بكر لما كان عليه.
٢ - سماحة الإسلام وعفوه :
أقسم أبو بكر بأنه لن ينفق على مسطح بعد اليوم، إذ قد مشى بحديث الإفك، وأشاع الفاحشة عن حرم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، ولم يرع فضل أبي بكر عليه، ولم يحفظ لسانه عن الغي والبهتان كما يأمر الإسلام، فما هو موقف رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وموقف أبي بكر من هذا المستضعف الذي ليس له من يحميه لو أراد الرسول أن