ج ٢٤، ص : ٢٦٣
بأن اللّه خالقها، وبأنها خلق عظيم، فخلق الناس بالقياس شي ء هين، ومن قدر على خلقها مع عظمها كان ولا شك على خلق الإنسان الضعيف أقدر، وهو أبلغ من الاستشهاد بخلق مثله. والأولوية في هذا الاستشهاد ثابتة بدرجتين : إحداهما :
أن القادر على العظيم هو على الحقير أقدر. وثانيتهما : أن مجادلتهم كانت في البعث وهو الإعادة، ولا شك أن الابتداء أعظم وأبهر من الإعادة.
٢ - التفنن وأسلوب الكلام : في قوله تعالى « وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِي ءُ ».
حيث قدم سبحانه وتعالى « الأعمى » لمناسبة العمى ما قبله من نفي العلم، حيث أتى قبله « وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ »، وقدم « الَّذِينَ آمَنُوا » بعد لمجاورة البصير ولشرفهم. وفي مثله طرق أن يجاور كل ما يناسبه كما هنا، وأن يقدم ما يقابل الأول ويؤخر ما يقابل الآخر، كقوله تعالى « وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ » وأن يؤخر المتقابلان كالأعمى والأصم والسميع والبصير، وكل ذلك من باب التفنن في البلاغة وأساليب الكلام.
٣ - الالتفات : في قوله تعالى « قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ ».
العدول من الغيبة إلى الخطاب في مقام التوبيخ، يدل على العنف الشديد.
الفوائد
١ - (ولكنّ) معنى لكنّ : الاستدراك، والتوكيد، والاستدراك، مثل : خالد كريم لكنّه جبان، والتوكيد، مثل : لو زارني خليل لأكرمته لكنّه لم يزرني. وهذا حرف من الحروف التي تدخل على الجملة الاسمية فتنصب الأول ويسمى اسمها وترفع الخبر ويسمى خبرها، وهذه الحروف هي :« إنّ - أنّ - كأنّ - لكنّ - ليت - لعلّ ».
فأمّا (إنّ وأنّ) فحرفان يفيدان التوكيد، وكأنّ : تفيد التشبيه، ولعلّ للتوقع، وليت للتمني.


الصفحة التالية
Icon