تسقط عليهم، فخرجوا منها فأصابهم حرّ شديد، فبعث الله تعالى الظلّة [فتنادوا] (١) : هلمّوا إلى الظلّ، فدخلوا جميعاً إلى الظلّة، فَصِيحَ بهم صيحة واحدة فماتوا كلهم (٢).
فإن قيل: لم جاء هاهنا ﴿ وأخذت الذين ظلموا الصيحة ﴾ وجاء في الأخرى قبلها: ﴿ وأخذ الذين ظلموا الصيحة ﴾ ؟
قلت: قد سبق في مواضع أن الفعل إذا حَصَلَ فجائز التذكير والتأنيث، والتذكير عندهم أحسن طلباً للخفة، غير أنك إذا تدبرت هذا الجائز لا تراه منفكاً عن مطابقة ومشاكلة تزيده حسناً ومذهباً مقصوداً في باب البلاغة والفصاحة، فقال سبحانه وتعالى هاهنا: ﴿ وأخذت ﴾ ؛ لأن بعدها ﴿ كما بعدت ثمود ﴾. وقال: ﴿ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ﴾ [الحج: ٤٦] ولم يقل: فيكون، لقوله: "بها". وقوله: ﴿ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ﴾ [الحج: ٤٦] فكل ذلك مؤنث، فلذلك كان التأنيث في قوله: "فتكون" أحسن. وقال تعالى: ﴿ وتغشى وجوههم النار ﴾ [إبراهيم: ٥٠] فجاء بالتاء مع الفعل لقوله: ﴿ يوم تبدل الأرض ﴾ [إبراهيم: ٤٨]، فاعتبرْ بهذا التقدير ما يرد عليك في كتاب الله تعالى من هذا النوع، فإنه كثير الوقوع، وتدبرْه على الوجه المذكور من طلب المطابقة والمشاكلة، تجده إن شاء الله على ما بيّنته وذكرته.
وقيل: إنما اختير في قصة شعيب التأنيث؛ لأن الله تعالى أخبر عن هلاك قوم شعيب بثلاثة ألفاظ منها: "الرجفة" في قوله تعالى في قصته في الأعراف:
(٢)... أخرجه ابن أبي حاتم (٦/٢٠٧٩). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٤/١٥٤).
(١/٢٢٣)
---------***#@--فاصل_صفحات---@#***--------