سَبِيلٍ بَيْنَ أَرْضِ الْعَرَبِ، وَأَرْضِ الْعَجَمِ، وَكَانَتْ مِائَةُ نَاقَةٍ لِي مُقَلَّدَةٌ تَرْعَى بِهَذَا الْوَادِي بَيْنَ مَكَّةَ، وَتِهَامَةَ عَلَيْهَا عَبْرُ أَهْلِهَا، وَتَخْرُجُ إِلَى تِجَارَتِهَا وَتَتَحَمَّلُ مِنْ عَدُوِّنَا، عَدَا عَلَيْهَا جَيْشُكَ فَأَخَذُوهَا، وَلَيْسَ مِثْلُكَ يُظْلَمَ مَنْ جَاوَرَهُ، فَالْتَفَتَ إِلَى ذِي عَمْرٍو، ثُمَّ ضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى عَجَبًا، فَقَالَ: لَوْ سَأَلَنِي كُلَّ شَيْءٍ أَحُوزُهُ أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ، أَمَّا إِبِلُهُ فَقَدْ رَدَدْنَا إِلَيْكَ وَمِثْلَهَا مَعَهَا، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَنِي فِي بِنْيَتِكُمْ هَذِهِ، وَبَلَدِكُمْ هَذِهِ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطِّلِبِ: أَمَّا بِنْيَتُنَا هَذِهِ، وَبَلَدُنَا هَذِهِ فَإِنَّ لَهُمَا رَبًّا إِنْ شَاءَ أَنْ يَمْنَعَهُمَا، وَلَكِنِّي إِنَّمَا أُكَلِّمُكَ فِي مَالٍ، فَأُمِرَ عِنْدَ ذَلِكَ بِالرَّحِيلِ، وَقَالَ: لَتُهَدُّ مِنَ الْكَعْبَةِ وَلَتَنْهَيَّنَّ مَكَّةَ، فَانْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطِّلِبِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ الْمَرْءَ يَمْنَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ حِلالَكْ لا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ وَمِحَالُهُمْ عَدْوًا مِحَالَكْ فَإِذَا فَعَلْتَ فَرُبَّمَا تَحْمِي فَأَمُرْ مَا بَدَا لَكْ فَإِذَا فَعَلْتَ فَإِنَّهُ أَمْرٌ تُتِمُّ بِهِ فِعَالَكْ وَغَدَوْا غَدًا بِجُمُوعِهِمْ وَالْفِيلِ كَيْ يَسْبُوا عِيَالَكْ فَإِذَا تَرَكْتَهُمُ وَكَعْبَتَنَا فَوَاحَرْبًا هُنَالِكْ فَلَمَّا تَوَجَّهَ شَهْرٌ وَأَصْحَابُ الْفِيلِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا مَا أَجْمَعُوا، طَفِقَ كُلَّمَا وَجَّهُوهُ أَنَاخَ وَبَرِكَ، فَإِذَا صَرَفُوهُ عَنْهَا مِنْ حَيْثُ أَتَى، أَسْرَعَ السَّيْرَ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى غَشِيَهُمُ اللَّيْلُ وَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ طَيْرٌ مِنَ الْبَحْرِ