﴿ولقد مكناكم﴾ يا بني آدم ﴿في الأرض﴾ أي: في مسكنها وزرعها والتصرف فيها ﴿وجعلنا لكم فيها معايش﴾ جمع معيشة أي: أسباباً تعيشون بها أيام حياتكم من أنواع التجارات والصنائع والمآكل والمشارب وذلك بفضل الله تعالى وإنعامه على عبيده وكثرة الإنعام توجب الطاعة للمنعم بها والشكر له عليها ثم بيّن تعالى أنه مع هذا الإفضال على عبيده وإنعامه عليهم لا يقومون بشكرها كما ينبغي فقال تعالى: ﴿قليلاً ما تشكرون﴾ أي: على ما صنعت إليكم وأنعمت به عليكم وفيه دليل على أنهم قد يشكرون لأنّ الإنسان قد يذكر نعمة الله فيشكره عليها فلا يخلو في بعض الأوقات من الشكر على النعم وحقيقة الشكر تصور النعمة وإظهارها ويضادّه الكفر وهو نسيان النعمة وسترها.
﴿ولقد خلقناكم﴾ أي: أباكم آدم ﴿ثم صوّرناكم﴾ أي: أباكم آدم والمراد يعني: خلقنا أباكم آدم طيناً غير مصوّر ثم صوّرناه فنزل خلقه وتصويره منزلة خلق الكل وتصويرهم، وقيل: خلقناكم في أصلاب الرجال ثم صوّرناكم في أرحام النساء ﴿ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾.
فإن قيل: ثم للترتيب والتراخي وهي ظاهرة على القول الأوّل فما وجهه على الثاني؟ أجيب: بأنها تكون بمعنى الواو أي: وقلنا للملائكة اسجدوا لآدم سجود تحية بالانحناء ﴿فسجدوا﴾ أي: الملائكة كلهم لآدم ﴿إلا إبليس﴾ أبا الجن كان بين الملائكة ﴿لم يكن من الساجدين﴾ أي: ممن سجد.
(١٥/٢٩٣)
﴿قال﴾ الله تعالى لإبليس ﴿ما منعك أن لا تسجد﴾ أي: أن تسجد ﴿إذ أمرتك﴾ فلا زائدة للتأكيد كما في قوله تعالى: ﴿لا أقسم﴾ (البلد، ١)
أي: أقسم، وقوله تعالى: ﴿وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون﴾ (الأنبياء، ٩٥)
(١٥/٢٩٤)
أي: يرجعون نعم إن حمل ما منعك على ما حملك لم تكن زائدة ﴿قال﴾ إبليس مجيباً له تعالى: ﴿أنا خير منه﴾.


الصفحة التالية
Icon