فكيف قيل: بكل صراط؟ أجيب: بأنّ صراط الحق وإن كان واحدا لكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام كثيرة مختلفة وكانوا إذا رأوا أحد يشرع في شيء منها أوعدوه وصدوه ﴿وتبغونها﴾ أي: تطلبون الطريق ﴿عوجاً﴾ أي: تصفونها للناس بأنها سبيل معوجة عن الحق غير مستقيمة لتصدّوهم عن سلوكها والدخول فيها أو يكون ذلك تهكماً بهم وإنهم يطلبون لها ما هو محال فإنّ طريق الحق لا يعوج ﴿واذكروا﴾ نعمة الله عليكم وآمنوا به ﴿إذ كنتم قليلاً فكثركم﴾ أي: كثر عددكم بعد القلة أو كثركم بالغنى بعد الفقر وكثركم بالقدرة بعد الضعف قيل: إنّ مدين بن إبراهيم تزوّج بنت لوط عليهما السلام فولدت فرمى الله تعالى في نسلهما بالبركة والنماء فكثروا ونموا ﴿وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين﴾ قبلكم بتكذيبهم رسلهم أي: آخر أمرهم من الهلاك وأقرب الأمم إليكم قوم لوط فانظروا كيف أرسل الله تعالى عليهم حجارة من السماء لما عصوه وكذبوا رسوله.
﴿وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا﴾ به أي: وإن اختلفتم في رسالتي فصرتم فرقتين فرقة آمنت بي وصدقت برسالتي وفرقة كذبت وجحدت برسالتي ﴿فاصبروا﴾ أي: فتربصوا ﴿حتى يحكم الله بيننا﴾ أي: بين الفرقتين فيعز المؤمنين أي: المصدّقين وينصرهم ويهلك المكذبين الجاحدين ويعذبهم وفي هذا وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين ﴿وهو خير الحاكمين﴾ أي: لا حيف في حكمه ولا معقب له لأنه تعالى منزه عن الجور والميل في حكمه وإنما قال: ﴿خير الحاكمين﴾ لأنه قد يسمى بعض الأشخاص حاكماً على سبيل المجاز والله تعالى هو الحاكم في الحقيقة.
(١٥/٣٦٨)
أي: الجماعة ﴿الذين استكبروا﴾ أي: تكبروا ﴿من قومه﴾ عن الإيمان بالله ورسوله وتعظموا عن اتباع شعيب عليه الصلاة والسلام ﴿لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن﴾ أي: ترجعن ﴿في ملتنا﴾ أي: لا بدّ من أحد الأمرين إمّا إخراجك ومن اتبعك على دينك من بلدنا أو عودكم في الكفر.
(١٥/٣٦٩)


الصفحة التالية
Icon