﴿الذين كذبوا شعيباً﴾ مبتدأ خبره ﴿كأن﴾ مخففة واسمها محذوف أي: كأنهم ﴿لم يغنوا﴾ أي: لم يبقوا وينزلوا ﴿فيها﴾ أي: في ديارهم يوماً من الدهر يقال: غنيت بالمكان أي: أقمت به والمغاني المنازل التي بها أهلها واحدها مغني قال الشاعر:
*ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة | في ظل ملك ثابت الأوتاد* |
*غنينا زماناً بالتصعلك والغنى | وكل سقانا بكاسيهما الدهر* |
*فما زادنا بغياً على ذي قرابة | غنى ولا أزرى بأحسابنا الفقر* |
﴿فتولى﴾ أي: أعرض شعيب ﴿عنهم﴾ أي: عن قومه ﴿وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم﴾ أي: قال ذلك لما تيقن نزول العذاب بهم تأسفاً وحزناً عليهم لأنهم كانوا كثيرين وكان يتوقع منهم الإجابة والإيمان ثم أنكر على نفسه فقال: ﴿فكيف آسى﴾ أي: أحزن ﴿على قوم كافرين﴾ لأنهم ليسوا أهل حزن لاستحقاقهم ما نزل عليهم بسبب كفرهم، وقيل: قال ذلك اعتذاراً عن عدم شدّة حزنه عليهم والمعنى: لقد بالغت في الإبلاغ والإنذار وبذلت وسعي في النصح فلم يصدّقوا قولي فكيف أحزن عليهم وقوله تعالى:
﴿وما أرسلنا في قرية من نبيّ﴾ فيه إضمار وحذف تقديره: فكذبوه ﴿إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضرّاء﴾ قال ابن مسعود: البأساء الفقر والضرّاء المرض، وقيل: البأساء الشدّة وضيق العيش والضرّاء سوء الحال ﴿لعلهم يضرّعون﴾ أي: فعلنا بهم ذلك لكي يتضرّعوا ويتوبوا والتضرّع التذلل والخضوع والانقياد لأمر الله.
(١٥/٣٧٢)