روي أنّ السحرة قالوا: قد عملنا سحراً لا تطيقه سحرة أهل الأرض إلا أن يكون أمراً من السماء فإنه لا طاقة لنا به وذلك أنهم ألقوا حبالاً غلاظاً وخشباً طوالاً فإذا هي حيات تسعى كأمثال الجبال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضاً ويقال: إنهم طلوا تلك الحبال بالزئبق وجعلوا داخل تلك العصى زئبقاً ليضيء وألقوها على الأرض فلما أثر حرّ الشمس فيها تحرّكت والتوى بعضها على بعض حتى تخيل للناس أنها حيات تتحرّك وتلتوي باختيارها، ويقال: إن الأرض كان سعتها ميلاً في ميل فصارت كلها حيات وأفاعي ففزع الناس من ذلك وأوجس في نفسه خيفة موسى وهذه الخيفة لم تحصل لموسى عليه السلام لأجل سحرهم لأنه كان على ثقة ويقين من الله تعالى أنهم لم يغلبوه وهو غالبهم وكان عالماً بأنّ ما أتوا به على وجه المعارضة لمعجزته فهو من باب السحر والتخيل وذلك باطل ومع هذا الجزم يمتنع حصول الخوف لموسى عليه السلام وإنما كان خوفه لأجل فزع الناس واضطرابهم مما رأوه من أمر تلك الحيات فخاف موسى عليه السلام أن يتفرّقوا قبل ظهور معجزته وحجته فلذلك أوجس في نفسة خيفة موسى.
﴿وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك﴾ فألقاها فصارت حية عظيمة قد سدّت الأفق قال ابن زيد: كان اجتماعهم بالاسكندرية وقال: بلغ ذنب الحية من وراء البحر ثم فتحت فاهاً ثمانين ذراعاً ﴿فإذا هي تلقف﴾ بحذف إحدى التاءين من الأصل أي: تبتلع ﴿ما يأفكون﴾ أي: ما يزوّرونه من الإفك وهو الصرف وقلب الشيء عن وجهه.
(١٥/٣٨٦)


الصفحة التالية
Icon