﴿فلما كشفنا عنهم الرجز﴾ أي: بدعاء موسى عليه السلام ﴿إلى أجل هم بالغوه﴾ أي: إلى حدّ من الزمان هم بالغوه لا محالة فمعذبون فيه لا ينفعهم ما تقدّم لهم من الإمهال وكشف العذاب إلى حلوله وهو وقت إهلاكهم بالغرق في اليمّ وقوله تعالى: ﴿إذا هم ينكثون﴾ جواب لما أي: فلما كشفنا عنهم فاجؤا النكث من غير توقف وتأمّل فيه.
فإن قيل: إنّ الله تعالى علم من حال هؤلاء أنهم لا يؤمنون بتلك المعجزات فما الفائدة في تواليها عليهم وإظهار الكثير منها؟ أجيب: بأنّ الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يسئل عما يفعل قال تعالى:
﴿فانتقمنا منهم﴾ أي: كافأناهم على سوء صنيعهم وأصل الانتقام في اللغة سلب النعمة بالعذاب لأنه تعالى لما كشف عنهم العذاب مرّات فلم يؤمنوا ولم يرجعوا عن كفرهم وبلغوا الأجل الذي أجل لهم انتقم منهم بأن أهلكهم كما قال تعالى: ﴿فأغرقناهم في اليمّ﴾ أي: في البحر الذي لا يدرك قعره، وقيل: هو لجة البحر ومعظم مائه واشتقاقه من التيمم لأنّ المنتفعين به يقصدونه قال الأزهريّ: ويقع اليمّ على البحر الملح والبحر العذب ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿فاقذفيه في اليمّ﴾ (طه، ٣٩)
والمراد نيل مصر وهو عذب، وإغراقهم ﴿بأنهم﴾ أي: بسبب أنهم ﴿كذبوا بآياتنا﴾ الدالة على وحدانيتنا وصدق رسولنا ﴿وكانوا عنها﴾ أي: الآيات ﴿غافلين﴾ أي: لا يتدبرونها، وقيل: الضمير في عنها يرجع للنقمة التي دل عليها قوله تعالى: ﴿انتقمنا﴾ أي: وكانوا عن النقمة قبل حلولها غافلين.
فإن قيل: الغفلة ليست من فعل الإنسان ولا تحصل باختياره فكيف جاء الوعيد على الغفلة أجيب: بأنّ المراد بالغفلة هنا الإعراض عن الآيات وعدم الالتفات إليها فهم أعرضوا عنها حتى صاروا كالغافلين عنها.
(١٥/٤٠٣)


الصفحة التالية
Icon