﴿الذين يقيمون الصلاة﴾ أي: الذين يؤدّونها بحقوقها ﴿ومما رزقناهم﴾ أي: أعطيناهم ﴿ينفقون﴾ في طاعة الله؛ لأنّ رأس الطاعات المعتبرة في الظاهر ورئيسها بذل النفس في الصلاة، وبذل المال في مرضاة الله، ويدخل في ذلك صلاة الفرض والنفل والزكاة والصدقات والإنفاق في الجهاد والإنفاق على المساجد والقناطر، ثم قال تعالى:
﴿أولئك﴾ أي: الموصوفون بهذه الصفات الخمسة ﴿هم المؤمنون حقاً﴾ لأنهم حققوا إيمانهم بأن ضموا إليه مكارم أعمال القلوب من الخشية والإخلاص والتوكل ومحاسن أفعال الجوارح التي المعيار عليها، وهي الصلاة والصدقة و﴿حقاً﴾ مصدر مؤكد للجملة التي هي ﴿أولئك هم المؤمنون﴾ كقوله: هو عبد الله حقاً، أي: أحق ذلك حقاً.
تنبيه: اختلف العلماء في أنه هل للشخص أن يقول: أنا مؤمن حقاً، أو لا؟ فقال أصحاب الشافعي رضي الله تعالى عنه: الأولى أن يقول الرجل: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى، ولا يقول: أنا مؤمن حقاً، وقال أصحاب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه: الأولى أن يقول: أنا مؤمن حقاً، ولا يجوز أن يقول: إن شاء الله تعالى، واستدل للأوّل بوجوه:
الأوّل أن قوله: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى ليس على سبيل الشك، ولكن الشخص إذا قال: أنا مؤمن فقد مدح نفسه بأعظم المدائح فربما حصل له بذلك عجب، فإذا قال: إن شاء الله تعالى زال ذلك العجب، وحصل الانكسار له.
(١٦/١٣)


الصفحة التالية
Icon