واعترض عليه بأنه لا يتعين في مثل ذلك المشاكلة بل يجوز أن يكون ذلك استعارة؛ لأنّ إطلاق المكر على إخفاء الله تعالى ما أوعده لمن استوجبه إن جعل باعتبار أنّ صورته تشبه صورة المكر فاستعارة، أو باعتبار الوقوع في صحبة مكر العبد فمشاكلة، وعلى هذا لا يحتاج كما قال الطيبي إلى وقوعه في صحبة مكر العبد قال: ومنه قول عليّ رضي الله عنه: من وسع الله تعالى عليه في دنياه ولم يعلم إنه مكر به فهو مخدوع في عقله.
﴿وإذا تتلى عليهم آياتنا﴾ أي: القرآن ﴿قالوا﴾ أي: هؤلاء الذين ائتمروا في أمره ﷺ ﴿قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا﴾ وهذا غاية مكابرتهم، وفرط عنادهم، إذ لو استطاعوا ذلك لفعلوه وإلا فما منعهم لو كانوا مستطيعين، وقرّعهم بالعجز عشر سنين، ثم قارعهم بالسيف، فلم يعارضوا بسورة مع أنفتهم وفرط استنكافهم أن يغلبوا خصوصاً في باب البيان، وقيل: قائله النضر بن الحرث المقتول صبراً؛ لأنه كان يأتي الحيرة يتجر فيشتري كتب أخبار العجم ويحدّث بها أهل مكة، وإسناده إلى الجميع إسناد ما فعله رئيس القوم إليهم، فكأنه كان قاضيهم، وقد أسره المقداد يوم بدر، فأمر النبيّ ﷺ بقتله، فقال المقداد: أسيري يا رسول الله؟ فقال: «إنه كان يقول في كتاب الله تعالى ما يقول» فعاد المقداد لقوله، فقال النبيّ ﷺ «اللهمّ أغن المقداد من فضلك» فقال: ذاك الذي أردت يا رسول الله فقتله النبيّ ﷺ فأنشدت أخته:
*ما كان ضرك لو مننت وربما | منّ الفتى وهو المغيظ المحنق* |
(١٦/٤٤)