﴿وألف﴾ أي: جمع ﴿بين قلوبهم﴾ وذلك إنّ النبيّ ﷺ بعث إلى قوم أنفتهم شديدة، وحميتهم عظيمة حتى لو أنّ رجلاً من قبيلة لطم لطمةً واحدة، قاتلت عنه قبيلته حتى يدركوا ثأره، ثم إنهم انقلبوا عن تلك الحالة حتى قاتل الرجل أباه وأخاه وابنه، واتفقوا على الطاعة وصاروا أنصاراً دعاة، فإزالة تلك العداوة الشديدة وتبديلها بالمحبة القوية، مما لا يقدر عليها إلا الله تعالى، وصارت تلك معجزة ظاهرة على صدق نبوّة محمد ﷺ ولهذا قال تعالى: ﴿لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم﴾ أي: تناهت عداوتهم إلى حد لو أنفقت في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض من الأموال لم تقدر على الإلفة والصلاح بينهم ﴿ولكن الله ألف بينهم﴾ بقدرته البالغة، فإنه تعالى المالك للقلوب يقلبها كيف يشاء ﴿إنه﴾ أي: الله تعالى ﴿عزيز﴾ أي: غالب على أمره لا يعصى عليه ما يريد ﴿حكيم﴾ لا يخرج شيء عن حكمته، وقيل: الآية نزلت في الأوس والخزرج كان بينهم من الحروب والوقائع ما أهلك سادتهم ورؤساءهم فأنساهم الله تعالى ذلك، وألف بين قلوبهم بالإسلام حتى تصادقوا وصاروا أنصاراً، وما ذاك إلا بلطيف صنعه وبليغ قدرته.
﴿يأيها النبيّ حسبك﴾ أي: كافيك ﴿ا﴾.
(١٦/٧٤)
فإن قيل: هذا مكرّر، أجيب: بأنه تعالى لما وعده بالنصر عند مخادعة الأعداء وعده بالنصر والظفر في هذه الآية مطلقاً على جميع التقديرات، فلا يلزم حصول التكرار؛ لأنّ المعنى في الآية الأولى: إن أرادوا خداعك كفاك الله تعالى أمرهم، والمعنى في هذه الآية عام في كل ما يحتاج إليه في الدين وقوله تعالى: ﴿ومن اتبعك من المؤمنين﴾ إمّا في محل نصب على المفعول معه كقول الشاعر:
*فحسبك والضحاك سيف مهند*


الصفحة التالية
Icon