وروي أنه ﷺ جاء السقاية فاستسقى، فقال العباس رضي الله عنه لابنه الفضل: يا فضل، اذهب إلى أمّك فأت رسول الله ﷺ بشراب من عندها، فقال له ﷺ «اسقني» قال: يا رسول الله يجعلون أيديهم فيه، قال: «اسقني» فشرب منه ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها، فقال: «اعملوا فإنكم على عمل صالح». وعن أبيّ بن عبد الله المزني رضي الله عنه قال: كنت جالساً مع ابن عباس عند الكعبة، فأتاه أعرابي، فقال: مالي أرى بني عمكم يسقون العسل واللبن وأنتم تسقون النبيذ أمن حاجة بكم أم من بخل؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: الحمد لله ما بنا من حاجة ولا بخل، إنما قدم رسول الله ﷺ على راحلته وخلفه أسامة فاستسقى فأتيناه بإناء من نبيذ فشربه وسقى فضله أسامة وقال: أحسنتم وأجملتم كذا فاصنعوه، فلا نريد تغيير ما أمر به رسول الله ﷺ والنبيذ: تمر ينقع في الماء غدوة وهو حلال، فإن غلا وخمر حرم.
تنبيه: السقاية والعمارة مصدران من سقى وعمر كالصيانة والوقاية، فلا بد من مضاف محذوف تقديره أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله ﴿لا يستوون عند الله﴾ أي: لا يستوي حال هؤلاء الذين آمنوا بالله وجاهدوا في سبيل الله بحال من سقى الحاج وعمر المسجد الحرام وهو مقيم على كفره؛ لأنّ الله تعالى لا يقبل عملاً إلا مع إيمان به وبيّن عدم تساويهم بقوله تعالى: ﴿وا لا يهدي القوم الظالمين﴾ أي: الكفرة ظلمة بالشرك ومعاداة النبيّ ﷺ منهمكون في الضلال، فكيف يساوون الذين عاهدهم الله تعالى ووفقهم للحق والصواب؟ وقيل: المراد بالظالمين الذين يسوّون بينهم وبين المؤمنين.
(١٦/١١٤)


الصفحة التالية
Icon