وقوله تعالى: ﴿بعد عامهم هذا﴾ إشارة إلى العام الذي حج فيه أبو بكر رضي الله تعالى عنه ونادى عليّ رضي الله عنه ببراءة وهو سنة تسع من الهجرة وقبل سنة حجة الوداع ولما أمر رسول الله ﷺ علياً أن يقرأ على مشركي مكة أوّل براءة وينبذ إليهم عهدهم وأنّ الله بريء من المشركين ورسوله قال أناس يا أهل مكة ستعلمون ما تلقون من الشدّة لانقطاع السبيل وفقد الحمولات وذلك أنّ أهل مكة كانت معايشهم من التجارات وكان المشركون يأتون مكة بالطعام ويتجرون فلما امتنعوا من دخول الحرم خافوا الفقر وضيق العيش فذكروا ذلك لرسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى ﴿وإن خفتم عيلة﴾ أي: فقراً وحاجة بانقطاع تجارتهم عنكم ﴿فسوف يغنيكم الله من فضله﴾ أي: من عطائه وتفضله من وجه آخر وقد أنجز الله تعالى وعده بأن أرسل المطر عليهم مدراراً فكثر خيرهم وأسلم أهل جدّة وصنعاء وتبالة وجرش وجلبوا الميرة الكثيرة إلى مكة فكفاهم الله تعالى ما كانوا يخافون، وتبالة بفتح التاء وجرش بضمّ الجيم وفتح الراء وشين معجمة قريتان من قرى اليمن وقيد ذلك بقوله تعالى: ﴿إن شاء﴾ لتنقطع الآمال إليه تعالى ولينبه على أنه متفضل في ذلك وأنّ الغنى الموعود يكون لبعض دون بعض وفي عام. دون عام ﴿إنّ الله﴾ أي: الذي له الإحاطة الكاملة ﴿عليم﴾ أي: بوجوه المصالح ﴿حكيم﴾ أي: فيما يعطي ويمنع، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ألقى الشيطان في قلوبهم الخوف وقال من أين تأكلون فأمرهم الله تعالى بقتال أهل الكتاب كما قال تعالى: ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون با ولا باليوم الآخر﴾ (التوبة، ٢٩)
(١٦/١٢٥)


الصفحة التالية
Icon