(١٦/١٣٢)
روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: كل شيء في القرآن مثله فهو لعن ﴿أنى يؤفكون﴾ أي: كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل مع قيام الدليل بأنّ الله تعالى واحد أحد فجعلوا له ولداً تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً وهذا التعجب راجع إلى الخلق لأنّ الله تعالى لا يتعجب من شيء ولكن هذا الخطاب على عادة العرب في مخاطباتهم فالله تعالى عجب نبيه ﷺ من تركهم الحق وإصرارهم على الباطل.
﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم﴾ أي: اتخذ اليهود أحبارهم أي: علماءهم والحبر في الأصل العالم من أي طائفة كان واختص في العرف بعلماء اليهود من ولد هرون وكان أبو الهيثم يقول: واحد الأحبار حبر بالفتح وينكر الكسر، واتخذ النصارى رهبانهم أي: عبادهم أصحاب الصوامع، والراهب في الأصل من تمكنت الرهبة من قلبه فظهر آثارها على وجهه ولباسه واختص في العرف بعلماء النصارى أصحاب الصوامع ﴿أرباباً من دون الله﴾ لأنهم أطاعوهم في تحريم ما أحلّ الله تعالى وتحليل ما حرّم الله تعالى كما تطاع الأرباب في أوامرهم ونحوه تسمية أتباع الشيطان فيما يوسوس به عباده كما قال تعالى: ﴿بل كانوا يعبدون الجنّ﴾ (سبأ، ٤١)
وقال إبراهيم الخليل عليه السلام: ﴿يا أبت لا تعبد الشيطان﴾، وعن عدي بن حاتم أنه قال: أتيت النبيّ ﷺ وفي عنقي صليب من ذهب فقال: «يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك» فطرحته ثم انتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة فوصل إلى هذه الآية فقلت: إنا لسنا نعبدهم فقال: أليس يحرمون ما أحلّ الله فتحرّمونه ويحلون ما حرّمه فتحلونه، قلت: بلى، قال: تلك عبادتهم» قال عبد اللهبن المبارك:

*وهل بدّل الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها*
(١٦/١٣٣)


الصفحة التالية
Icon