ولما استدل سبحانه وتعالى على إثبات الإلهية والتوحيد بقوله تعالى: ﴿إنّ ربكم الله الذي خلق السموات والأرض﴾ (الأعراف: ٥٤)، وثانياً بأحوال الشمس والقمر، استدل ثالثاً بقوله تعالى:
﴿إن في اختلاف الليل والنهار﴾ أي: بالمجيء والذهاب، والزيادة والنقصان، ورابعاً بقوله تعالى: ﴿وما خلق الله في السموات﴾ من ملائكة وشمس وقمر ونجوم وغير ذلك. ﴿و﴾ ما خلق الله في ﴿الأرض﴾ من حيوان وجبال وبحار وأنهار وأشجار وغير ذلك.
فائدة: أقسام الحوادث في هذا العالم محصورة في أربعة أقسام، أحدها: الأحوال الحادثة في العناصر الأربعة، ويدخل فيها أحوال الرعد والبرق والسحاب والأمطار، ويدخل فيها أيضاً أحوال البحار والصواعق والزلازل والخسف، وثانيها: أحوال المعادن وهي عجيبة كثيرة، وثالثها: اختلاف أحوال النبات، ورابعها: اختلاف أحوال الحيوانات، وجملة هذه الأقسام الأربعة داخلة في قوله تعالى: ﴿وما خلق الله في السموات﴾ (يونس: ٦)
. والاستقصاء في شرح هذه الأحوال لا يدخل تحت الحصر، بل كل ما ذكر العقلاء في أحوال أقسام هذا العالم فهو جزء مختصر من هذا الباب.
﴿لآيات﴾ أي: دلالات على قدرته تعالى. ﴿لقوم يتقون﴾ الله فإنه يحملهم على التفكر والتذكر، وخصهم بالذكر؛ لأنهم المنتفعون بها. قال القفال: من تدبر في هذه الأحوال علم أنّ الدنيا مخلوقة لشقاء الناس فيها، وأن خالقها وخالقهم ما أهملهم، بل جعلها لهم دار عمل، وإذا كان كذلك فلا بدّ من أمر ونهي ثم من ثواب وعقاب ليتميز المحسن عن المسيء، فهذه الأحوال في الحقيقة دالة على صحة القول بإثبات المبدأ وإثبات المعاد.
ولما أقام الله سبحانه وتعالى الدلائل القاهرة على صحة القول بإثبات الإله الرحمن، وعلى صحة القول بإثبات الإله الرحيم الحكيم، وعلى صحة القول بالمعاد والحشر والنشر؛ شرع في شرح أحوال من يكفر بها، وشرح أحوال من يؤمن بها، وقد ابتدأ بأوّلها ووصفه بأربع صفات مبتدئاً بأوّلها بقوله تعالى:
(٣/٩)