﴿إنّ الذين لا يرجون لقاءنا﴾ أي: لا يخافونه لإنكارهم البعث، وذهولهم بالمحسوسات عما وراءها، فهم مكّذبون بالثواب والعقاب والرجاء، يكون بمعنى الخوف، وبمعنى الطمع، فمن الأوّل قول العرب: فلان لايرجو فلاناً، بمعنى لا يخافه، ومنه قوله تعالى: ﴿ما لكم لا ترجون لله وقاراً﴾ (نوح: ١٣)، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي:
إذ لسعته النحل لم يرج لسعها.
(٣/١٠)
أي: لم يخفها. ومن الثاني قولهم: فلان يرجو فلاناً، ، أي: يطمع فيه، والمعنى: لا يطمعون في ثوابنا، والصفة الثانية والثالثة: قوله تعالى: ﴿ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها﴾ فيعملون لها عمل المقيم فيها مع ما يشاهدونه من سرعة زوالها منهمكين في لذاتهاوزخارفها، وسكنوا فيها سكون من لا ينزع عنها، والصفة الرابعة: قوله تعالى: ﴿والذين هم عن آياتنا﴾ أي: دلائل وحدانيتنا ﴿غافلون﴾ تاركون النظر فيها، بمنزلة الغافل عن الشيء الذي لا يخطر بباله طول عمره ذكر ذلك الشيء، وبالجملة فهذه الصفات الأربعة دالة على شدّة بعدهم عن طلب الاستعداد بالسعادات الأخروية، ويحتمل أنَّ الصفة الأخيرة لفريق آخر، ويكون المراد بالأوّلين: من أنكر البعث، ولم يرد إلا الحياة الدنيا، وبالآخر: من ألهاه حب العاجل عن التأمل في الآجل والإعداد له، ولما وصفهم الله تعالى بتلك الصفات قال:
﴿أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون﴾ من الشرك والمعاصي، ولما شرح أحوال المنكرين الجاحدين ذكر تعالى شرح من يؤمن بها فقال:
(٣/١١)