﴿إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ والأعمال الصالحة عبارة عن الأعمال التي تحمل النفس على ترك الدنيا وطلب الآخرة، والأعمال المذمومة مما يكون بالضدّ من ذلك. ﴿يهديهم﴾ أي: يرشدهم. ﴿ربهم بإيمانهم﴾ أي: بسبب إيمانهم إلى سلوك سبيل يؤدي إلى الجنة، أو لما يريدونه في الجنة، أو لإدراك الحقائق، كما قال ﷺ «من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم». وقال مجاهد: المؤمنون يكون لهم نور يمشي بهم إلى الجنة. وروي أنه ﷺ قال: «إنَّ المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة حسنة، فيقول: أنا عملك. فيكون له نوراً وقائداً إلى الجنة، والكافر إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيئة، فيقول: أنا عملك، فينطلق به حتى يدخله النار». ومفهوم ترتبِ الهداية على الإيمان، والعمل الصالح قد دلّ على أنّ سبب الهداية هو الإيمان والعمل الصالح، لكن دل منطوق قوله جل وعلا: ﴿بإيمانهم﴾ (يونس: ٩)
. على استقلال الإيمان بالسببية، وأن العمل الصالح كالتتمة والرديف، ثم إنه تعالى لما وصفهم بالإيمان والأعمال الصالحة ذكر بعد ذلك درجات كراماتهم ومراتب سعاداتهم، وهي أربعة الأولى: قوله تعالى: ﴿تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم﴾ أي: يكونون جالسين على سرر مرفوعة في البساتين، والأنهار تجري من بين أيديهم، ينظرون إليها من أعالي أسرتهم وقصورهم، ونظيره قوله تعالى: ﴿قد جعل ربك تحتك سرياً﴾ (مريم: ٢٤) فهي ما كانت قاعدة عليه، ولكن المعنى: بين يديك، وكذا قوله: ﴿وهذه الأنهار تجري من تحتي﴾ (الزخرف، ٥١)، أي: بين يدي فكذا هنا. الثانية قوله تعالى:
(٣/١٢)