﴿ولقد أهلكنا القرون﴾ أي: الأمم الماضية. ﴿من قبلكم﴾ يا أهل مكة. ﴿لما ظلموا﴾ أي: حين أشركوا، وقوله تعالى: ﴿وجاءتهم رسلهم بالبينات﴾ أي: بالحجج الدالة على صدقهم، حال من الواو وبإضمار قد أو عطف على ظلموا. ﴿وما﴾ أي: والحال أنهم ما ﴿كانوا ليؤمنوا﴾ أي: وما استقام لهم أن يؤمنوا، ولو جاءتهم كل آية لعلمه تعالى بأنهم يموتون على كفرهم، واللام لتأكيد النفي. ﴿كذلك﴾ أي: مثل ذلك الجزاء العظيم وهو إهلاكهم لما كذبوا رسلهم ﴿نجزي القوم المجرمين﴾ أي: نجزيكم يا أهل مكة بتكذيبكم محمداً ﷺ فوضع المظهر موضع المضمر للدّلالة على كمال جرمهم، وأنهم أعلام فيه.
﴿ثم جعلناكم﴾ أي: أيها المرسل إليهم أشرف رسلنا ﴿خلائف﴾ جمع خليفة ﴿في الأرض من بعدهم﴾ أي: استخلفناكم فيها بعد القرون التي أهلكناها استخلاف من يختبر ﴿لننظر﴾ ونحن أعلم بكم من أنفسكم في علم الشهادة لإقامة الحجة. ﴿كيف تعملون﴾ من خير أو شر فنجازيكم به، وقد مرّ نظائر هذا، ومنه قوله تعالى: ﴿ليبلوكم أيكم أحسن عملاً﴾ (هود: ٧)
. وقال ﷺ «إنّ الدنيا خضرة حلوة، وإنّ الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون». وقال قتادة: صدق الله ربنا ما جعلنا خلفاء إلا لينظر إلى أعمالنا، فأروا الله من أعمالكم خيراً بالليل والنهار. قال الزجاج: وموضع كيف نصب بقوله تعملون، أي: لا معمول ننظر؛ لأنها حرف استفهام، والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله؛ لأنّ له صدر الكلام فلا يتقدمه عامله، وظاهر كلامه أنّ كيف مفعول لتعملون، وجمهور النحاة على أنه حال من ضمير تعملون.
(٣/١٧)


الصفحة التالية
Icon