(٣/٣٧)
الحجة الأولى: قوله تعالى:
﴿قل﴾ أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين ﴿من يرزقكم من السماء﴾ بالمطر ﴿والأرض﴾ بالنبات فانحصر الرزق في ذلك، أما من السماء فبتنزل الأمطار، وأما من الأرض فلأن الغذاء إما أن يكون نباتاً أو حيواناً، أما النبات فلا ينبت إلا من الأرض، وأما الحيوان فهو يحتاج أيضاً إلى الغذاء، ولا يمكن أن يكون غذاء كل حيوان حيواناً آخر، وإلا لزم الذهاب إلى ما لا نهاية له، وذلك محال فثبت أنّ أغذية الحيوانات يجب انتهاؤها إلى النبات، وثبت أن تولد النبات من الأرض، فثبت القطع بأنّ الأرزاق لا تحصل إلا من السماء والأرض ﴿أمّن يملك السمع﴾ أي: الأسماع ﴿والأبصار﴾ أي: من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحدّ الذي سوّياً عليه من الفطرة العجيبة. عن علي رضي الله تعالى عنه كان يقول: سبحان من بصر بشحم وأسمع بعظم وأنطق بلحم، أو جمعهما وحفظهما من الآفات مع كثرتها في المدد الطوال وهما لطيفان يؤذيهما أدنى شيء بكلائه وحفظه ﴿ومن يخرج الحيّ من الميت﴾ كأن يخرج الإنسان من النطفة والطائر من البيضة ﴿ويخرج الميت من الحيّ﴾كأن يخرج النطفة من الإنسان والبيضة من الطائر. وقيل: المراد أن يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن. وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي ميت في الموضعين بعد الميم بكسر الياء المشدّدة، والباقون بعد الميم بسكون الياء. ﴿ومن يدبر الأمر﴾ أي: ومن يلي تدبير أمر الخلائق، وهو تعميم بعد تخصيص، وذلك لأنَّ أقسام تدبير الله تعالى في العالم السفلي وفي العالم العلوي وفي عالم الأرواح والأجساد أمور لا نهاية لها. وذكر كلها كالمتعذر، فلما ذكر بعض تلك الأفاصيل عقبها بالكلام الكلي ليدل على الباقي ثم بيّن تعالى أنَّ الرسول ﷺ إذا سألهم عن مدبر هذه الأحوال ﴿فسيقولون الله﴾ إذ لا يقدرون على المكابرة والعناد في ذلك لفرط وضوحه، وإذا كانوا يقرّون بذلك ﴿فقل﴾ لهم يا محمد ﴿أفلا تتقون﴾ الشرك مع


الصفحة التالية
Icon