﴿ولئن أذقناه﴾ أي: الكافر ﴿نعماء بعد ضرّاء مسته﴾ كصحة بعد سقم وغنى بعد عدم، وفي اختلاف الفعلين وهما أذقناه ومسته من حيث الإسناد إليه تعالى في الأوّل وإلى الضرّاء في الثاني نكتة عظيمة وهي أنّ النعمة صادرة من الله تعالى تفضلاً منه لخبر: «ما أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى. قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا». والضرر صادر من العبد كسباً؛ لأنه السبب فيه باجتلابه إياه بالمعاصي غالباً لقوله تعالى: ﴿ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك﴾ (النساء، ٧٩) ولا ينافي ذلك قوله تعالى: ﴿قل كل من عند الله﴾ (النساء، ٧٨) فإن الكلّ منه إيجاداً، غير أنّ الحسنة إحسان وامتحان، والسيئة مجازاة وانتقام لخبر: «ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها وحتى انقطاع شسع نعله إلا بذنب وما يعفو الله أكثر». ﴿ليقولنّ﴾ أي: الذي أصابه الصحة والغنى ﴿ذهب السيئات﴾ أي: المصائب التي أصابتني ﴿عني﴾ ولم يتوقع زوالها ولا يشكر عليها ﴿إنه لفرح﴾ أي: فرح بطر ﴿فخور﴾ على الناس بما أذاقه الله تعالى من نعمائه، وقد شغله الفرح والفخر عن الشكر فبيّن سبحانه وتعالى في هذه الآية أنّ أحوال الدنيا غير باقية بل هي أبداً في التغير والزوال والتحوّل والانتقال، فإنّ الإنسان إمّا أن يتحوّل من النعمة إلى المحنة، ومن اللذات إلى الآفات كالقسم الأوّل، وإمّا أن يكون بالعكس من ذلك وهو أن ينتقل من المكروه إلى المحبوب كالقسم الثاني. ولما بيّن تعالى أنّ الكافر عند الابتلاء لا يكون من الصابرين، وعند الفوز بالنعماء لا يكون من الشاكرين بين حال المتقين بقوله تعالى:
(٣/١١٢)