تنبيه: قال الفرّاء: إنّ لا جرم بمنزلة قولنا لا بدّ ولا محالة، ثم كثر استعمالها حتى صارت بمنزلة حقاً. تقول العرب: لا جرم إنك محسن على معنى حقاً إنك محسن. وقال الزجاج: إنّ كلمة لا نفي لما ظنوا أنه ينفعهم، وجرم معناه: كسب ذلك الفعل والمعنى: لا ينفعهم ذلك وكسب ذلك الفعل لهم الخسران في الدنيا والآخرة. قال الأزهري: وهذا من أحسن ما قيل في هذا الباب. وقال سيبويه: لا ردّ على أهل الكفر كما مرّ. وجرم معناه: أحق والمعنى: أنه أحق كفرهم وقوع العذاب والخسران بهم واحتج سيبويه بقول الشاعر:

*ولقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
أراد أحقت الطعنة فزارة أن يغضبوا، ولما ذكر تعالى عقوبة الكفار وخسرانهم أتبعه بذكر أحوال المؤمنين في الدنيا وربحهم في الآخرة بقوله تعالى:
﴿إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم﴾ أي: اطمأنوا إليه وخشعوا، إذ الإخبات في اللغة هو الخشوع والخضوع وطمأنينة القلب، ويتعدّى بإلى وباللام فإذا قلت: أخبت فلان إلى كذا، فمعناه اطمأن إليه، وإذا قلت: أخبت له فمعناه خشع وخضع له، فقوله تعالى: ﴿إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ إشارة إلى جميع عمل الجوارح. وقوله تعالى: ﴿وأخبتوا﴾ إشارة إلى أعمال القلوب وهي الخشوع والخضوع لله تعالى، وإن هذه الأعمال الصالحة لا تنفع في الآخرة إلا بحصول أعمال القلب وهي الخشوع والخضوع ﴿أؤلئك﴾ أي: الذين هذه صفتهم ﴿أصحاب الجنة هم خالدون﴾ فأخبر تعالى عن حالهم في الآخرة بأنهم من أهل الجنة التي لا انقطاع لنعيمها ولا زوال. ولما ذكر سبحانه وتعالى أحوال الكفار وما كانوا عليه من العمى عن طريق الحق ومن الصمم عن سماعه وذكر أحوال المؤمنين وما كانوا عليه من البصيرة وسماع الحق والانقياد للطاعة ذكر فيهما مثالاً مطابقاً بقوله تعالى:
(٣/١٢٣)


الصفحة التالية
Icon