تنبيه: أكثر المفسرين على أنّ هذا من بقية كلام نوح عليه السلام مع قومه. وقال مقاتل: أم يقولون، أي: المشركون من كفار مكة: افتراه، أي: محمد ﷺ اختلق القرآن من عند نفسه. وهذه الآية وقعت في قصة محمد ﷺ في أثناء قصة نوح عليه السلام. قال الرازي: وقوله بعيد جدًّا. ﴿وأوحي إلى نوحٍ أنه لن يؤمن من قومك﴾ أي: لن يستمرّ على الإيمان لقوله تعالى: ﴿إلا من قد آمنّ﴾. قال ابن عباس: إنّ قوم نوح كانوا يضربون نوحاً حتى يسقط فيلفونه في لبد ويلقونه في بيت يظنون أنه قد مات، فيخرج في اليوم الثاني ويدعوهم إلى الله تعالى. وروي أنّ شيخاً منهم جاء متوكئاً على عصاه ومعه ابنه فقال لابنه: لا يغوينك هذا الشيخ المجنون فقال: يا أبتاه مكني من العصا فأخذها من أبيه وضرب بها نوحاً عليه السلام حتى شجه شجةً منكرةً، فأوحى الله تعالى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ﴿فلا تبتئس﴾ أي: لا تحزن عليهم فإني مهلكهم ﴿بما﴾ أي: بسبب ما ﴿كانوا يفعلون﴾ من الشرك وننقذك منهم، فحينئذ دعا عليهم نوح عليه السلام فقال: ﴿رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا﴾ (نوح، ٢٦). وحكى محمد بن إسحاق عن عبيد بن عمير الليثي: إنه بلغه أنهم يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، حتى تمادوا في المعصية، واشتدّ عليه منهم البلاء، وهو ينظر من الجيل إلى الجيل، فلا يأتي قرن إلا كان أنجس من الذين قبلهم، ولقد كان يأتي القرن الآخر منهم فيقول: قد كان هذا الشيخ مع آبائنا وأجدادنا هكذا مجنوناً فلا يقبلون منه شيئاً فشكى إلى الله تعالى، فقال: ﴿رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً﴾ (نوح، ٥) حتى قال: ﴿رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا﴾ (نوح، ٢٦) فأوحى الله تعالى إليه:
(٣/١٣٢)


الصفحة التالية
Icon