فإن قيل: الإنسان أشرف من سائر الحيوانات فلم بدأ بالحيوان؟ أجيب: بأنّ الإنسان عاقل فهو لعقله مضطر إلى دفع أسباب الهلاك عن نفسه فلا حاجة فيه إلى المبالغة في الترغيب بخلاف السعي في تخليص سائر الحيوانات فلهذا السبب وقع الابتداء به. النوع الثالث: من الأشياء التي أمر الله تعالى نوحاً عليه السلام بحملها في السفينة قوله تعالى: ﴿ومن آمن﴾ أي: واحمل معك من آمن معك من قومك، واختلف في العدد الذي ذكره الله تعالى في قوله تعالى: ﴿وما آمن معه إلا قليل﴾ فقال قتادة وابن جريج: لم يكن معه في السفينة إلا ثمانية نفر نوح وامرأته المسلمة وثلاثة بنين له هم: سام وحام ويافث ونساؤهم. وقال ابن إسحاق: كانوا عشرة سوى نسائهم نوح وبنوه الثلاثة وستة أناس ممن كان آمن به وأزواجهم جميعاً. وقال مجاهد كانوا اثنين وسبعين نفراً رجلاً وامرأة. وعن ابن عباس قال: كان في سفينة نوح ثمانون نصفهم رجال ونصفهم نساء. وقال الطبري: والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله تعالى: ﴿وما آمن معه إلا قليل﴾ فوصفهم بالقلة فلم يحد عدداً بمقدار فلا ينبغي أن يجاوز في ذلك حد الله تعالى، إذ لم يرد عدد في كتاب الله تعالى، ولا في خبر صحيح عن رسول الله ﷺ وتقدّم نحو ذلك عن الرازي. وقال مقاتل: حمل نوح عليه السلام جميع الدواب والطير ليحملها. قال ابن عباس أوّل ما حمل نوح الدرّة، وآخر ما حمل الحمار، فلما دخل الحمار أدخل صدره وتعلق إبليس بذنبه فلم تستقل رجلاه فجعل نوح يقول: ويحك ادخل فينهض فلا يستطيع حتى قال: ويحك ادخل وإن كان الشيطان معك، كلمة زلت على لسانه، فلما قالها خلى الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان معه فقال نوح: ما أدخلك عليّ يا عدوّ الله؟ قال: ما لك بد أن تحملني معك فكان معه على ظهر السفينة. هكذا نقله البغويّ. قال الرازيّ: وأمّا الذي يروى أنّ إبليس دخل السفينة فبعيد لأنّه من الجنّ وهو جسم ناري أو هوائي، فكيف يؤثر الغرق


الصفحة التالية
Icon