(٣/٢٣٧)
بيد الله تعالى، أو أنّ أكثر الناس لا يعلمون ما هو صانع بيوسف وما يريد منه فمن تأمّل في الدنيا وعجائب أحوالها عرف وتيقن أنّ الأمر كله لله، وأنّ قضاء الله تعالى غالب. ولما بين تعالى أنّ إخوته أساؤوا إليه وصبر على تلك الشدائد والمحن ومكنه في الأرض اتبعه الأمر بتمام النعمة عليه بقوله تعالى:
﴿ولما بلغ أشدّه﴾، أي: منتهى شبابه وقوّته وشدّته تقول العرب: بلغ فلان أشدّه إذا انتهى منتهاه في شبابه وقوّته، وهذا اللفظ مستعمل في الواحد والجمع يقال: بلغ فلان أشدّه وبلغوا أشدّهم وهو ثلاث وثلاثون سنة. وقال السدي: بلغ ثلاثين سنة، وقال الضحاك: عشرين سنة. وقال الكلبي: الأشد ما بين ثمانية عشر إلى ثلاثين، وقيل: أقصاه اثنان وستون سنة. قال الأطباء: إنّ الإنسان يحدث في أوّل الأمر ويتزايد كل يوم شيئاً فشيئاً إلى أن ينتهي إلى غاية الكمال، ثم يأخذ في التراجع إلى أن ينتهي إلى العدم والمحاق كالقمر. ﴿آتيناه حكما﴾، أي: حكمة وهو العلم المؤيد بالعمل أو حكماً بين الناس ﴿وعلماً﴾، أي: علم تأويل الأحاديث، وقيل: المراد بالحكم النبوّة والرسالة.
وتقدّم أنّ قوله تعالى: ﴿وأوحينا﴾ أنه وحي حقيقة. قال الرازي: فلا يبعد أن يقال: إنّ ذلك الوحي إليه في ذلك الوقت لا لأجل بعثته إلى الخلق بل لأجل تقوية قلبه وإزالة الحزن عن صدره؛ ولأجل أن يستأنس بحضور جبريل عليه السلام ﴿وكذلك﴾، أي: ومثل ذلك الجزاء الذي جزيناه به ﴿نجزي المحسنين﴾ قال ابن عباس: يعني المؤمنين، وعنه أيضاً يعني المهتدين، وقال الضحاك: يعني الصابرين على النوائب كما صبر يوسف عليه السلام. وعن الحسن: من أحسن عبادة ربه في شبيبته آتاه الله الحكمة في اكتهاله. ولما أخبر تعالى أنّ سبب النعمة عليه إحسانه اتبعه دليله فقال تعالى:
(٣/٢٣٨)


الصفحة التالية
Icon