فإن قيل: إنه كان نبياً فكيف قال: اتبعت ملة آبائي، والنبيّ لا بدّ وأن يكون مختصاً بشريعة نفسه؟ أجيب: بأنّ مراده التوحيد الذي لا يتغير، أو لعله كان رسولاً من عند الله تعالى إلا أنه كان نبي على شريعة إبراهيم عليه السلام، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بسكون ياء آبائي، والباقون بالفتح ﴿ما كان﴾، أي: ما صح ﴿لنا﴾ معشر الأنبياء ﴿أن نشرك بالله من شيء﴾ لأنّ الله تعالى طهره وطهر آباءه عن الكفر ونظيره قوله تعالى: ﴿ما كان لله أن يتخذ من ولد﴾ (مريم، ٣٥) وإنما قال: من شيء لأنّ؛ أصناف الشرك كثيرة، فمنهم من يعبد الأصنام، ومنهم من يعبد النار، ومنهم من يعبد الكواكب، ومنهم من يعبد الملائكة، فقوله: من شيء ردّ على هؤلاء الطوائف وإرشاد إلى الدين الحق، وهو أنه لا موجد ولا خالق ولا رازق إلا الله ﴿ذلك﴾، أي: التوحيد ﴿من فضل الله علينا﴾ بالوحي ﴿وعلى الناس﴾، أي: سائرهم ببعثنا لارشادهم وتثبيتهم عليه ﴿ولكنّ أكثر الناس﴾، أي: المبعوث إليهم ﴿لا يشكرون﴾ هذه النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليهم؛ لأنهم تركوا عبادته وعبدوا غيره ثم دعاهم إلى الإيمان فقال:
﴿يا صاحبي السجن﴾، أي: يا صاحبيّ في السجن فأضافهما إلى السجن كما تقول: يا سارق الليلة، فكما أنّ الليلة مسروق فيها غير مسروقة، فكذلك السجن مصحوب فيه غير مصحوب وإنما المصحوب غيره وهو يوسف عليه السلام، أو يا ساكني السجن كما قيل لسكان الجنة: أصحاب الجنة، ولسكان النار: أصحاب النار ﴿أأرباب﴾، أي: آلهة ﴿متفرقون﴾، أي: متباينون من ذهب وفضة وصفر وحديد وخشب وحجارة وصغير وكبير ومتوسط وغير ذلك ﴿خير﴾، أي: أعظم في صفة المدح وأولى بالطاعة ﴿أم الله الواحد القهار﴾، أي: المتوحد بالألوهية الذي لا يغالب ولا يشارك في الربوبية غيره خير، والاستفهام للتقرير، وفي الهمزتين في ﴿أأرباب﴾ من القراءات ما في ﴿أأنذرتهم﴾ وقد مرّ.
(٣/٢٥٨)