(٣/٣٦٧)
في ذلك صفات الله تعالى، وإذا كان لا خالق غيره فلا يشاركه في العبادة أحد، فوجب أن ينفرد بالإلهية كما قال تعالى: ﴿وهو الواحد﴾، أي: الذي لا يجانسه شيء، وكل ما سواه لا يخلو عن مماثل يماثله، وأين رتبة من يماثل من رتبة من لا مثل له؟ ﴿القهار﴾ الذي كل شيء تحت قهره، فيدخل تحت قضائه ومشيئته وإرادته، ثم ضرب تعالى مثلاً للحق والباطل بقوله تعالى:
﴿أنزل من السماء﴾، أي: السحاب أو السماء نفسها ﴿ماء﴾، أي: مطراً ﴿فسالت أودية﴾، أي: أنهار جمع واد، وهو الموضع الذي يسيل الماء فيه بكثرة فاتسع فيه، واستعمل للماء الجاري فيه، وتنكيرها؛ لأنّ المطر يأتي على تناوب بين البقاع ﴿بقدرها﴾، أي: بمقدارها الذي علم الله تعالى أنه نافع غير ضارّ، أو بمقداره في الصغر والكبر. ﴿فاحتمل السيل زبداً رابياً﴾، أي: عالياً هو ما على وجهه من قذر ونحوه ﴿ومما توقدون عليه من النار﴾، أي: من جواهر الأرض الذهب والفضة والنحاس والحديد ﴿ابتغاء﴾، أي: طلب ﴿حلية﴾، أي: زينة ﴿أو متاع﴾، أي: ينتفع به كالأواني إذا أذيبت، وآلات الحرب والحرث، والمقصود من هذا بيان منافعها ﴿زبد مثله﴾، أي: مثل زبد السيل، وهو خبثه الذي ينفيه الكير، ومن للابتداء أو للتبعيض. وقرأ حفص وحمزة والكسائي بالياء على الغيبة على أن الضمير للناس وإضماره للعلم به، والباقون بالتاء على الخطاب ﴿كذلك﴾، أي: مثل هذا الضرب العلي الرتب المتبين السبب ﴿يضرب الله﴾، أي: الذي له الأمر كله ﴿الحق والباطل﴾، أي: مثلهما، فإنه تعالى مثل الحق في إفادته وثباته بالماء الذي ينزل من السماء، فتسيل به الأودية على قدر الحاجة والمصلحة، فيننتفع به أنواع المنافع، ويمكث في الأرض بأن يثبت بعضه في منافعه، ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والقنيّ والآبار، ومثل الباطل في قلة نفعه وسرعة زواله بزبدهما وهو قوله تعالى: ﴿فأما الزبد﴾، أي: من السيل وما أوقد عليه من الجواهر ﴿فيذهب جفاء﴾.
(٣/٣٦٨)


الصفحة التالية
Icon